بقلم - د. عبيد الشحادة:
شهدت الدبلوماسية السعودية خلال العام الماضي حراكاً مستمراً يتمحور حول التنسيق والتعاون بين المملكة ودول الإقليم من جهة، وبين المملكة ودول العالم من جهة أخرى. وكان القاسم المشترك هو رؤية القيادة في الحوار والتشاور حيال التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم، وتوسيع دائرة التفاهم في تقاطعات المصالح المشتركة بين المملكة ودول العالم. وقد قاد هذا النهج القائد الملهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وأضفى عليه بصمته الخاصة في التحدي والمثابرة والتفكير الاستراتيجي بلغة المصالح التي توسع دوائر الالتقاء، وتستقطب الجميع حول طاولة مستديرة تفاهماً ونِدّيةً. فنشأت من ثَمّ سياسة القمم مع عدد من التكتلات الدولية، التي توالى عقدها داخل المملكة بجدارة ونجاح، أو خارج المملكة بتنسيق سعودي وحضور فعال.
قمة مجموعة العشرين بنيودلهي
عقدت في العاصمة الهندية نيودلهي قمة قادة دول مجموعة العشرين يوم 9 سبتمبر 2023 م. ورأس وفد المملكة في القمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء. وفور وصول سمو ولي العهد إلى مقر انعقاد القمة كان في استقباله دولة رئيس وزراء جمهورية الهند السيد ناريندرا مودي. بعد ذلك توجه قادة ورؤساء وفود الدول المشاركة إلى القاعة الرئيسية للقمة، حيث بدأت أعمال القمة.
وعقب انتهاء القمة وقع سمو ولي العهد مع عدد من قادة دول العالم مذكرة تفاهم لإنشاء ممرٍ اقتصاديٍ جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، ضمت المذكرة إلى جانب المملكة العربية السعودية كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي. وسيسهم هذا المشروع في تطوير وتأهيل البنى التحتية التي تشمل سككاً حديدية وربطاً للموانئ لزيادة مرور السلع والخدمات وتعزيز التبادل التجاري بين الأطراف المعنية ومد خطوط وأنابيب لنقل الكهرباء والهيدروجين لتعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي بالإضافة إلى كابلات لنقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة وموثوقية عالية. ويأتي إسهام المملكة في هذا المشروع انطلاقاً من موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط الشرق بالغرب ودورها الريادي عالمياً كمصدر موثوق للطاقة وما تمتلكه من ميزات تنافسية تجعل من مشاركتها في هذا المشروع محورية لإنجاحه.
قمة باريس ميثاق عالمي جديد
رأس صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وفد المملكة المُشارك في قمة «من أجل ميثاق مالي عالمي جديد» المنعقدة في باريس. وقد شهد سمو ولي العهد الافتتاح الرسمي للقمة. وتناولت القمة التي استغرقت أعمالها يومي 22 - 23 يونيو 2023م مناقشة بناء توافق جديد لنظام مالي عالمي أكثر استجابة وإنصافًا وشمولية لمكافحة عدم المساواة، وقضايا التغير المناخي، ومكافحة الفقر، وحماية التنوع البيولوجي، والاتفاق على أفضل السبل لمواجهة هذه التحديات في البلدان الفقيرة والناشئة في الدول النامية. كما شارك سمو ولي العهد في حفل استقبال المملكة الرسمي لترشح الرياض لاستضافة إكسبو 2030 يوم 19 يونيو 2023م.
القمة السعودية - الإفريقية
وفي مدينة الرياض عقدت القمة السعودية الإفريقية بتاريخ 10 نوفمبر 2023م برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء. وذلك بهدف تطوير العلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات، وتعزيزاً لأواصر التعاون المشترك، والارتقاء بعلاقات الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين. وقد أبدى القادة المجتمعون ارتياحهم لأجواء الحوار المثمر الذي ساد القمة وما تم التوصل إليه من توافق في وجهات النظر والرؤى حيال عدد من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، مؤكدين أن هذه القمة تمثل منعطفاً تاريخياً هاماً في علاقات الدول الإفريقية مع المملكة العربية السعودية قلب العالم الإسلامي النابض، وأنها ستفتح آفاقاً أرحب لمستقبل العلاقات بينهم وتطويرها في كافة المجالات.
كما أكد القادة على عمق العلاقات التاريخية بين المملكة العربية السعودية ودول القارة الإفريقية، حيث قدمت المملكة خلال 50 عاماً دعماً تنموياً بأكثر من (45) مليار دولار في العديد من القطاعات الحيوية استفادت منه (46) دولة أفريقية. مشيدين بمستوى العلاقات التجارية بين المملكة ودول القارة الإفريقية، حيث بلغ حجم التجارة بينهما 45 مليار دولار أمريكي لعام 2022م. مشيرين إلى المقومات الاقتصادية المتنوعة لدى المملكة والقارة الإفريقية والفرص التي تقدمها رؤية المملكة 2030 والأجندة الإفريقية 2063 لتعزيز التعاون في شتى المجالات، ما يشكل منفعة اقتصادية متبادلة بين المملكة ودول القارة الأفريقية، وعلى أهمية بحث سبل تفعيل وتعزيز التعاون المشترك في مجالات النقل والخدمات اللوجستية وبالأخص في مجال الربط الجوي ومجال النقل البحري والموانئ بما يحقق المصالح المشتركة بينهما. ورحب القادة بإطلاق المملكة مبادرتي (السعودية الخضراء) و (الشرق الأوسط الأخضر) ودعمهم لجهود المملكة في مجال التغير المناخي بتطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون، الذي أطلقته المملكة وأقره قادة دول مجموعة العشرين. مشيدين بدعم وتأييد المملكة العربية السعودية المبكر لانضمام الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين.
القمة السعودية ودول الكاريكوم
في 16 نوفمبر 2023م عقدت القمة الأولى بين المملكة العربية السعودية والمجموعة الكاريبية (كاريكوم) بمدينة الرياض برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بمشاركة أصحاب الفخامة رؤساء دول وحكومات المجموعة الكاريبية (كاريكوم) برئاسة فخامة السيد روزفلت سكيريت، رئيس وزراء دومينيكا والأمين العام للمجموعة الكاريبية. وتأكيداً على المصالح المتبادلة والعلاقات الودية بين الجانبين تبادلا وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك وناقشا سبل توسيع الشراكة بينهما وتطويرها للاستفادة من فرص النمو استناداً إلى رؤيتهما وقيمهما المشتركة.
واختتمت القمة بعدد من التوصيات والبنود، من أبرزها: أهمية تضافر الجهود لتعزيز السلام والأمن والاستقرار والازدهار، وإجراء مشاورات وبحث سبل التعاون في مجالات محددة ذات أهمية مشتركة لزيادة التعاون بين الجانبين، مثل: التعليم (المنح الدراسية)، والصحة، والتعاون البحري، والاتصال، والخدمات اللوجستية، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والاقتصاد السياحي وغيرها من مجالات التعاون الممكنة. وتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين المملكة العربية السعودية والمجموعة الكاريبية ( كاريكوم ) على المستويين متعدد الأطراف والثنائي باستخدام المنصات الفعلية والإلكترونية الجديدة المتاحة والبعثات التجارية والمعارض والندوات والمؤتمرات والحوارات. إلى جانب التأكيد على الدور المهم الذي يمكن أن تضطلع به المملكة العربية السعودية والمجموعة الكاريبية (كاريكوم) في استضافة الأحداث الرياضية الكبرى.
القمة العربية والإسلامية المشتركة
استجابة للظروف الاستثنائية التي عصفت بالشعب الفلسطيني، دعت المملكة العربية السعودية إلى عقد قمة عربية وإسلامية مشتركة غير عادية. وفي يوم 11 نوفمبر 2023م التأمت القمة في مدينة الرياض برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وحضور قادة دول وحكومات منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية. وناقشت القمة معاناة الشعب الفلسطيني ومحاولات تهجيره من جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم. وأعرب المجتمعون عن إدانتهم واستنكارهم للأساليب الوحشية والممارسات الإسرائيلية غير الشرعية ضد الشعب الفلسطيني. وخرجت القمة بعدد من البنود والتوصيات تؤكد مركزية القضية الفلسطينية لدى العرب والمسلمين، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله وكفاحه المشروعين لتحرير كل أراضيه المحتلة، وتلبية جميع حقوقه، وخصوصاً حقه في تقرير المصير والعيش في دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف. إضافة إلى التأكيد على أن السلام العادل والدائم والشامل الذي يشكل خياراً استراتيجياً هو السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة وحمايتها من دوامات العنف والحروب لن يتحقق من دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين. إلى جانب إدانة جميع أشكال الكراهية والتمييز وكل الطروحات التي تكرس ثقافة الكراهية والتطرف، وإدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية ورفض توصيف هذه الحرب الانتقامية دفاعاً عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة. وكسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). بالإضافة إلى تكليف وزراء خارجية المملكة العربية السعودية وكل من الأردن - مصر - قطر - تركيا - اندونيسيا - ونيجيريا وفلسطين وأية دول أخرى مهتمة، والأمينين العامين للمنظمتين بدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة. مع التأكيد على ضرورة إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين، ودعوة جميع الدول والمنظمات الدولية المعنية إلى الضغط من أجلّ وقف هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها.
القمة الخليجية ودول الآسيان
انعقدت قمة الرياض بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول رابطة الآسيان في الرياض يوم 20 أكتوبر 2023م، وقد ناب برئاستها عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء. وشهدت القمة حضور كافة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول رابطة الآسيان. وفي افتتاح القمة ألقى سمو ولي العهد كلمة رحب فيها بالضيوف مشيداً بعمق علاقات الصداقة والتعاون والشراكة بما يحقق مصالح الشعوب ويعزز فرص النماء ويرسخ الأمن والاستقرار.
وقال سموه: لقد حققت دول المجموعتين إنجازاً مهماً في طريق التنمية الاقتصادية حتى تتجاوز الناتج المحلي لدولنا مجتمعة 7.8 ترليون دولار، وشهدت دولنا معدلات نمو اقتصادي زادت من نسب مساهمتها في الناتج المحلي العالمي، حيث نما اقتصاد دول مجلس التعاون بنسبة 7.3 % ونما اقتصاد دول آسيان بنسبة 5.7% خلال عام 2022، وذلك يدفعنا للعمل معاً نحو اقتصاد أكثر ازدهاراً. إن العلاقات التجارية بين دول مجموعتينا تزداد تطوراً ونمواً، حيث بلغ حجم التجارة مع دول آسيان 8% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي العربي عالمياً، بقيمة وصلت إلى 137 مليار دولار، وتشكل صادرات دول مجلس التعاون إلى دول آسيان 9% من مجمل صادراتها، وبلغ حجم الواردات من دول آسيان ما نسبته 6% من مجمل واردات دول مجلس التعاون، وخلال العشرين عاماً الماضية مثلت استثمارات دول مجلس التعاون في دول آسيان ما نسبته 4% من مجموع الاستثمارات الأجنبية الموجهة إلى دول آسيان بقيمة تصل إلى 75 مليار دولار، وشكلت استثمار دول آسيان في مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 3.4% من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى دول مجلس التعاون بقيمة 24.8 مليار دولار.
إثر ذلك عقد أصحاب الجلالة والفخامة والسمو قادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون لدول الخليج ودول رابطة الآسيان جلسة عملهم المغلقة التي انتهت بصدور البيان الختامي للقمة متضمناً 42 بنداً تركزت على أوجه التعاون وتعزيز العلاقات بين هذه الدول.
القمة الخليجية ودول آسيا الوسطى
عقد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى أوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان قمتهم في مدينة جدة يوم 19 يوليو 2023م، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، وذلك لتعزيز العلاقات وتأسيس شراكة قوية بين الطرفين. وبعد انتهاء أعمال القمة أعلن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اعتماد البيان الختامي الذي تضمن 20 بنداً، أكدت في مجملها على أهمية تعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية، إضافة إلى التعاون التجاري والاقتصادي وتشجيع الاستثمار المشترك. بالإضافة إلى أهمية استمرار التعاون بين مجلس التعاون وآسيا الوسطى في المحافل والمنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه العالم.