الرياض - خاص بـ«الجزيرة»
يمارس بعض الصائمين عادات غذائية خاطئة خلال شهر رمضان المبارك، حيث يلجؤون إلى الإسراف في تناول أنواع مختلفة من الأطعمة، وهو مخالف لتعاليم الدين الإسلامي الذي يوصينا بالاعتدال في المأكل والمشرب، ومثل هذه الممارسات لها مخاطر صحية، وربما تجعل الشخص يتثاقل عن أداء صلاته وعباداته بشكل مريح فيشعر دائماً بالتخمة.
«الجزيرة» التقت عدداً من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية والطبية ليتحدثوا عن مثل هذه الأعمال غير محمودة؛ فماذا قالوا؟
الاعتدال في الطعام
يقول الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله الزكري قاضي الاستئناف: الحمد لله الذي أكرمنا بمواسم الخير والبركة ومضاعفة الأعمال، ومنها الشهر الكريم شهر رمضان يطل علينا كل عام، ويبادر فيه المسلمون لتهيئة بيوتهم ومساجدهم لأنواع من العبادات، ومما يتقرب به المسلمون لربهم في هذا الشهر الكريم بذل الطعام على موائد الإفطار في منازلهم ومع أسرهم، أو يشاركون معهم على مائدة الإفطار ما أمكنهم، بالإضافة لموائد الإفطار التي تقام في المساجد والمراكز الإسلامية في شتى أنحاء العالم، بل يشاركنا في بيوتنا ومساجدنا على هذه الموائد من يقيم معنا أو بجوارنا من غير المسلمين، ومعلوم لدى الجميع فضل إطعام الطعام وإكرام الأهل والأضياف وسائر الناس، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في فضل إطعام الطعام لعموم الناس من أسباب دخول الجنة بسلام، بل وفي كل كبد رطبة أجر، فكيف بتفطير وإطعام الصائمين فإن من فطر صائماً كان له مثل أجره، فهنيئاً للمنفقين على أهلهم، أو غيرهم بطيب نفس واحتساب أجر، ولكن مما يفسد على المنفقين أجرهم وفضلهم أحياناً إسرافهم بوضع الكميات أو الأنواع التي تزيد عن الاحتياج مما يؤدي إلى الهدر والتبذير المذموم، وقد وصف الله المبذرين بأنهم من إخوان الشياطين مما يدل على حيل إبليس في إفساد حسنات المحسنين بدفعهم للتبذير والإسراف، فعظموا إخوتي الفضلاء شعائر الله بتعظيم نعمه فإنها من تعظيم المنعم، وبذل هذه الأطعمة بتسليم قيمتها نقداً أومواد غذائية صالحة للتوزيع على المحتاجين في بلادنا أو غيرها من بلاد المسلمين المنكوبة والتي يعاني أهلها وخاصة في شهر الصيام حيث لا يجدون ما يفطرون أو يتسحرون عليه.
واختتم الدكتور عبدالمحسن الزكري حديثه بوصية الله سبحانه وتعالى حيث نهانا عن الإسراف، وحثنا على الأكل والشرب والتنعم بنعم الله في حدود الاعتدال {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (168) سورة البقرة.
تجربة الجوع والعطش
ويشير الدكتور عبدالرزاق بن حمود الزهراني أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن من حكمة فرض الصيام جعل الأغنياء يمرون بتجربة الجوع والعطش، وهي تجربة يمر بها الفقراء باستمرار، وإذا جرب الغني الجوع والعطش فإنه سيشعر بمعاناة الفقراء وآلامهم، وسوف يبذل من ماله ما يخفف عن بعضهم تلك اللأواء وذلك الألم، والمبالغة في تناول أصناف الطعام إلى حدّ الإصابة بالتخمة ينافي هذا المقصد الشرعي من الصيام، وينافي ما يدعو إليه الإسلام من الوسطية والتوسط، قال تعالى في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}، وجاء في الأثر: (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم).
ممارسات سيئة
وتبين الدكتورة حنان بنت عوض العمراني المستشار الأسري والتربوي أن الناس تتهافت على الأسواق قبل شهر رمضان المبارك لشراء الأغذية والمشروبات والبعض لا يكتفي باحتياجاته فقط بل يشتري كميات كبيرة وكأن رمضان هو شهر لصوم الجسد عن الطعام فقط، متناسياً أنه شهر العبادة والدعاء والتخفيف من الأكل ليقوى بدنه على العبادة والصلوات، وموائد رمضان وقت الإفطار لدى بعض الأسر تعطينا رسائل عن بعض السلوكيات والممارسات السيئة التي يجب تجنبها، فكثرة الأصناف وتنوع المشروبات خاصة تلك المشبعة بالزيوت والدهون والسكريات تورث الوهن في الجسم وتجعله كسولاً وثقيلاً وتكون سبباً في السمنة وبعض الأمراض وقانا الله وإياكم منها، لذا فالاعتدال مطلب وعدم الإسراف سنة نبوية علينا الاقتداء بها وفيها يتمثل نموذج المسلم الصائم الذي يحقق قول نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن، بحسب امرئ أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
التغذية السليمة
ويؤكد الدكتور : عماد الدين مرسي أخصائي الأمراض الباطنية بمستشفيات الحمادي بالرياض أن من المواضيع الأكثر تداولاً في عصرنا الحديث، ومع ازدياد الوعي بين الناس بالتغذية والحفاظ على جسم سليم ورياضي، فإن التغذية السليمة وخصوصاً في شهر رمضان المبارك هي موضوع يشغل بال السائلين باستمرار ويستطيع الصائم، باتباع إرشادات بسيطة، أن ينقص وزنه ويُخفض معدلات ضغط الدم والكوليسترول، وعلى النقيض من ذلك، قد يزيد وزن الصائم إذا ترك لنفسه العنان وأفرط في تناول الطعام عند الإفطار والسحور، ورمضان عادةً فرصة مواتية للمسلم أن يتدرب فيها على التحكم في النفس، والتعاطف مع من هم أقل حظاً، ومن المستحسن تطبيق هذه الممارسات الطيبة والتحلي بها حتى في غير أوقات الصيام، ومما لا شك فيه أن شهر رمضان والصيام له عامل كبير في تحسين الجسد بأكمله لعدة أسباب، مقدماً أهم النصائح التي لا يجب إهمالها أبداً، ومنها: الحرص خلال شهر رمضان على شرب كمية كبيرة من الماء وتناول الأطعمة الغنية بالمياه، والإكثار من شرب المياه بين وجبتي الإفطار والسحور، وتزيد معدلات تعرق الجسم مع ارتفاع درجات الحرارة لذلك تستطيع زيادة مدخول الماء من خلال تناول الأطعمة الغنية بالماء؛ فعلى سبيل المثال، يمكنك تناول البطيخ في وجبة السحور أو تناوله على سبيل التحلية بعد الإفطار، كما تحتوي السلطة الخضراء على كثير من الخضروات الغنية بالماء مثل: الخيار والطماطم، وتجنب تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين مثل: القهوة والشاي والكولا لأن الكافيين قد يسبب كثرة التبول، مما قد يؤدي إلى الإصابة بالجفاف. وتذكّر أن المشروبات الغازية التي تحتوي على السكر ستضيف مزيداً من السعرات الحرارية إلى نظامك الغذائي. وبدلاً من ذلك، تستطيع تناول الطعام الغني بالماء، مثل: الحساء أو سلطة الخضروات الطازجة المرتفعة، ولذا فمن الضروري أيضاً شرب السوائل لتعويض ما يفقده الجسم أثناء ساعات النهار (ما لا يقل عن 10 أكواب).
أما بالنسبة لوجبة الإفطار فإنه يجب تناول وجبة صحية متكاملة ومتوازنة لتعويض مستوى الطاقة لديك، ويُعتبر الإفطار على ثلاث تمرات من الطرق التقليدية والصحية لبدء وجبة الإفطار، لأن التمر غني بالألياف، وتناول في وجبة الإفطار كثيراً من الخضروات لتزود جسمك بالفيتامينات والمغذيات، بالإضافة إلى الحبوب الكاملة لتزود جسمك بالطاقة والألياف، واستمتع بتناول اللحوم الخالية من الدهون والدجاج بدون جلد والأسماك سواء كانت مشوية أو مطهوة في الفرن للحصول على حصة جيدة من البروتين الصحي. وبشكل عام، تجنب الأطعمة المقلية أو المُصنعة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون أو السكر، واستمتع بوجبتك وتجنب الإفراط في الطعام عن طريق تناول الطعام ببطء.
أما بالنسبة للسحور في رمضان فإنها من أهم وجبات اليوم التي لا غنى عنها كما قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: (تسحروا فإن في السحور بركة)، وهناك أيضاً بعض الفئات العمرية التي يجب أن تحرص على تناول وجبة السحور مثل: كبار السن، والمراهقين، والحوامل، والمرضعات، وكذلك الأطفال الذين يرغبون في الصيام. ويجب أن تتضمن هذه الوجبة، التي تُعتبر مثل الفطور الخفيف، خضروات وحصة من الكربوهيدرات مثل: الخبز/ لفائف الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة، وأطعمة غنية بالبروتين مثل: منتجات الألبان (جبن خفيف الملح/ لبنة/ لبن) و/أو بيض، بالإضافة إلى طبق جانبي من الطحينة/ الأفوكادو.
وجبات صحية
واختتم د. عماد الدين مرسي أخصائي الباطنية بمستشفيات الحمادي بعرض بعض الأمثلة لإفطار وسحور صحي ومتكامل، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صيام الشهر الكريم:
1- حساء خضروات طازج (وليس مسحوق الحساء الجاهز).
2- سلطة خضراء أو أي خضروات أخرى من اختيارك.
3- خضروات محشوة (كوسا/ باذنجان/ ورق عنب).
4- صدور دجاج مطهوة في الفرن.
5- اشرب كمية كبيرة من الماء؛ ويمكنك إضافة شرائح الليمون وأوراق النعناع لتحسين الطعم.
أمثلة على وجبة السحور:
1- قطعتان من الخبز.
2- بيضة مخفوقة بالخضروات أو بيضة مسلوقة جيداً.
3- خضروات مقطعة (نوعان من الخضروات).
4- لبنة أو جبن مضاف إليه زعتر وزيت الزيتون.
شاي أعشاب ولا تنسى أن تشرب كمية كافية من الماء.