في عام 1230هـ أرسل محمد علي باشا ابنه أحمد طوسون باشا إلى نجد بطلب من الدولة العثمانية من أجل القضاء على الدولة السعودية في نجد. ولكن حملة طوسون فشلت في مهمتها بعد أشهر قليلة من وصولها ولم تحقق الهدف وعقدت صلحاً لم يجد القبول لدى السلطة العثمانية. ثم عاد طوسون باشا إلى المدينة ثم غادرها إلى مصر.
ثم أرسل محمد علي ابنه إبراهيم باشا في محاولة أخرى في عام 1232هـ في حملة أخرى على نجد, وكان في الحملة الثانية مفاجآت مهمة منها حصار بلدة الرس وعقد الصلح بين أهلها وإبراهيم باشا عندما عجز إبراهيم عن احتلال البلدة. وكان طوسون وإبراهيم يبعثان خطابات متواصلة إلى والدهما عن أخبار الحروب, يعبّران فيها لوالدهما عن صعوبة فتح قلعة الرس وأنها قلعة منيعة قوية الجدران ويحميها رجال أقوياء وشجعان. ويقوم محمد علي بإبلاغها للسلطان العثماني بخطابات أخرى. وقد حصلت على هذه الوثائق من مكتبات تركيا ومصر وتوجد أصولها في تلك المكتبات.
وسوف أقوم بكتابة نص تلك الوثائق التي تتوفر لدينا لتكون شاهداً حياً لتلك الحرب التي أعجزت إبراهيم باشا عن الاستيلاء على الرس واضطرته إلى عقد الصلح بينه وبين أهلها الشجعان, وكانت بنود هذا الصلح كلها في صالح أهل الرس وتضمن رحيل إبراهيم باشا عن البلدة وعدم تعديه عليها وعلى أهلها. وكل هذه الخطابات تتحدث عن الحرب على بلدة الرس.
1- الوثيقة الأولى:
وثيقة رقم (2/ 1-18) ورقمها في مجموعة الوثائق التركية (19630).
العنوان: رسالة طوسون باشا إلى والده بشأن الصلح بين طوسون والسعوديين.
التاريخ: 21 شعبان 1230هـ.
جهة الإصدار: طوسون باشا والي جدة.
الصادرة إليه: محمد علي باشا والي مصر.
نص الرسالة (كما بسطت وأبنت فيما سبق أن أهل الرس وخبرة وبكيرية وشبيبة من قرى وادي القصيم التي تبعد عن الدرعية 8 منازل قد دخلت في طاعة الدولة العلية, وبينما كنت أستعد لأخذ رسة في الوادي المذكور وعنيزة وبريدة وغيرها من القرى فإن عبدالله بن سعود خرج من الدرعية على رأس الخيّالة والهجّانة الكثيرة إمداداً وإعانة لتلك القرى, وبعد أن مكّن لها التفت بمجموعة نحوي وتجرأ بالتسلط على قبائل العربان التي أظهرت الصداقة آخذاً إبلها وغنمها.. وكنا في سبيل الدفاع عن أولئك خلال شهر ولم ينقطع الحرب فيما بيننا ولما كنا متكئين على المدد الذي نحن بانتظاره فإنه لم يتيسر لنا إخضاع تلك القرى. كما أن ادعاءاته الباطلة لم تسفر عن ثمرة, فلما أدرك جازماً بأنه سوف يكون طعمة السيف السلطاني وأنه في مسلكه بغياً وعدواً كان على خطأ وغلط أظهر الندامة على ما ارتكبه والتمس العفو عن ماضيه وأنه يتمنى من بعد الآن ليكون في عداد رعايا السلطة فقصد مقر جيشي وعلى بُعد ثلاث ساعات منه نزل في مزرعة الهجنادية (الحجنازي) وأرسل بعض رجاله من أجل تحقيق التماسه, ولما أمعنّا النظر في مكاتيبه المرسلة وتقارير موفديه تبين لنا أنه قد ابتعد كلياً عمّا ارتكبه والده المتوفى من الحركات الشنيعة وأنه بعد الآن سوف لن يتدخل ويتعرض لغير العربان التي في الدرعية وما حولها وأن كل البلاد والرعايا سوف تكون في ظل الطاعة وجناح العدالة لا ينحرف عن طريق الصلاح والطاعة وأنه سيرفع عن ألسنتهم العربان كليّاً ويخالف الشرع الشريف من الكلمات والألفاظ الوهابية وأنه لا يجير ولا يقصر في أي خدمة يكلّف بها بالأمر السلطاني, باذلاً في سبيل ذلك ما وسعته المقدرة, وبينما كان متعهداً بأن يكون على هذا العهد والميثاق أقبل أحمد آغا الخزندار في 23 رجب والتحق بي مع رجاله. وبينما كان الشيخ المذكور عبدالله بن سعود وكل إخوانه والذين يتعلقون به على هذا الوجه من تمني العفو كنا في وضع لا تكاد في الذخائر تكفينا.. وحتى لا تفوت الفرصة فإذا قبل التماسهم فإنه سيرسلون إلينا: عبدالعزيز بن الحمد وعبدالله بن بنيان من علمائهم المعتبرين ليكونا لدينا رهينة في مصر لمدة سنة) ا.هـ.
# نستخلص من الوثيقة ما يلي:
- هذه الوثيقة كتبها طوسون باشا إلى والده محمد علي. عندما كان في القصيم عام 1230هـ وانتهى بعقد الصلح بينه وبين عبدالله بن سعود, ولكنه لم يصل إلى الدرعية. وبعد الصلح غادر إلى المدينة المنورة, ويطلب من والده الموافقة على الصلح.
- (خبرة) تعني: بلدة الخبراء. تقع في الجهة الشمالية الشرقية من الرس.
- (بكيرية) تعني:محافظة البكيرية. تقع في الجهة الشمالية الشرقية من الرس.
- (شبيبة) تعني: بلدة الشبيبية القديمة. تقع مجاورة لمحافظة البدائع.
- (رسة) تعني: بلدة الرس. وهي محافظة رئيسية بالقصيم.
- إن طوسون باشا عندما وصل بلدة الرس اختلف أهلها فيما بينهم منهم من يرى عدم التصدّي وهم الأكثر، لأن البلدة ليست محصّنة بسور. فخافوا على أنفسهم وعائلاتهم وبلدتهم من الأذى فآثروا عدم الحرب. وسلّموا لطوسون. ومنهم من يرى التصدّي لطوسون بالحرب وهم قلّة. وهؤلاء خرجوا إلى الشنانة وتحصنوا في مرقبها وأرسل لهم طوسون قوة من الجنود لحربهم لكنهم لم ينالوا منهم.
- أن بعض الأعراب الموجودين في الرس انضموا إلى جيش طوسون باشا بعد أن أغراهم بالعطايا من المال واللباس وكانوا قوة أضيفت لقوته يحاربون معه ضد أمراء وبلدان نجد. وقد خرج عبدالله بن سعود من الدرعية ومعه قوة لمساعدة بلدان القصيم وحارب الأعراب الذين انضموا لجيش طوسون, فانشغل طوسون بلقاء عبدالله بن سعود ومن معه لمدة شهر. وعندما تأخر عنه المدد العسكري من والده وعجز عن إخضاع بلدان نجد اضطر لعقد الصلح مع عبدالله ابن سعود. كما أن أهل الرس اختلفوا على مواجهة طوسون. القسم الأول وهم الأكثرية أهل الحل والعقد رأوا بأنهم ليس لهم القدرة لمواجهة طوسون والدخول معه في حرب، حيث إن الرس حينها لم تكن محمية بسور منيع, وهؤلاء خافوا على بلدتهم من الهدم وعلى أنفسهم وأهليهم من الذل والقتل فلم يؤيدوا التصدّي. أما القسم الثاني فهم قلّة من أهل الرس يرون عدم التسليم لطوسون ومحاربته مع أنهم يعرفون جيدا أنهم ليس لهم القدرة على محاربته وليس لديهم سلاح يدافعون به عن أنفسهم وأهليهم وبلدتهم, وهؤلاء خرجوا إلى بلدة الشنانة القريبة من الرس وأرسل إليهم طوسون مجموعة من جنوده وحاربتهم. ويبدو أن عبدالله بن سعود أراد أن يعاقب الذين سلّموا لطوسون وحاربهم في معركة محيط ومحرّش.
- إن عبدالله بن سعود عسكر في الحجناوي وهي مزارع بين الرس وعنيزة ينتطر نهاية بقاء طوسون في نجد.
- عند عقد الصلح بين عبدالله بن سعود وطوسون باشا اشترط طوسون أن يعطيه عبدالله بن سعود رهينتين يتم ترحيلهما إلى مصر لمدة سنة, فأعطاه العالمين عبدالعزيز بن حمد وعبدالله بن بنيان. وأخذهما طوسون معه.
** **
- الرس