إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
عندما يستثمر الفنان العربي جماليات حروف لغته العربية وتميز تكوينها ويكون شغوفاً بها، فتكون هي العنصر الرئيسي في عمله الفني ليبني ما تبقى منه بحسه الإبداعي واحترافه المتميز لينتج بعد ذلك العمل الحروفي، هذا العمل الذي يتفرد به بعض من الفنانين التشكيليين العرب دون غيرهم من فناني العالم ليكون اندماجاً بين الثقافة والهوية والإبداع الفني والحس الجمالي لدى الفنان التشكيلي.
أحب الفن منذ مراحله الدراسية الأولى وتاه في شغفه حيث إن عينيه تترقبان حصة التربية الفنية ليجد مدرسه آنذاك يخط «بسم الله الرحمن الرحيم» في أعلى السبورة ليتفحص تكوينات الحروف العربية التي نسجت مجتمعة هذا الجمال في البسملة، ثم يتابع هذه الحصة فيتعلم التكوينات الواقعية بحماس جديد من خلال ألوان «الفلوماستر» لكن عينيه تتجهان لمدرسه عندما يخرج من الفصل ويرسم من مفردات الطبيعة بالألوان الزيتية، مما أثار فضوله ليبدأ تجربتها واستخدامها في منزله، تعلم أيضاً الخزف والخط العربي وغيرها من الفنون البصرية ليبدأ بناء ذاته من ذاك الأساس الذي تعلمه في مرحلته الابتدائية.
بهذا الحب بدأ خالد المطلق الفن ليلتحق بقرية المفتاحة بمنطقة عسير عام 1997م ولتكون هي المحطة الأولى التي يختلط فيها مع كبار الفنانين التشكيليين في المملكة حيث إن قرية المفتاحة كانت تجمع جلّ كبار فناني المملكة في الفترة الصيفية وكانت هذه الفترة على مدى 3 سنوات هي المرحلة التي أوصلته إلى الاحتراف وذلك من خلال حضور الورش الفنية ثم إتاحة الفرصة للمشاركة في المعارض الجماعية التي تقام هناك ومن ثم تأهيله للمشاركة في معارض الرئاسة العامة لرعاية الشباب آنذاك.
وفي قرية المفتاحة وبرفقة أول فنان تشكيلي في المملكة العربية السعودية الفنان الراحل عبدالحليم رضوي رحمه الله أثناء تقديمه لورشة عمل فنية كان لخالد المطلق تجربة إدخال الحروف مع العناصر التشكيلية الأخرى حيث كانت كلمة «عسير» التي اخترقت المباني والمفردات الأخرى من بداية العمل حتى نهايته هي بداية الحروفيات في الأعمال التشكيلية لدى خالد المطلق.
وعن تجربته في الحروفيات يقول خالد المطلق: «أحببت الحرف العربي وسحر تكوينه وجمال تشكيله لدرجة أن أصبح رفيقي في كل أعمالي الفنية ليكون هو الأصل والأساس بما يحمله من ثقافة ولغة وجمال ومفهوم ورمزية، تعلمت الخطوط كثيراً بقواعدها حتى تمكنت منها، لأبدأ بعد ذلك بكسر القواعد والانطلاق بها بحرية فنان في أفق لا نهاية له ولأبحر في تجارب متعددة أتنقل بين شواطئها من خلال محطات تعكس تجارب تتجدد يوماً بعد يوم».
انتقل خالد المطلق بعد ذلك إلى مدينة الرياض وشارك بمعارض مهرجان الجنادرية لمدة عامين في عام 2005 وعام 2006 م، ليتوقف بعد ذلك عن الظهور والمشاركات الجماعية حتى عام 2022م لظروف خاصة به، إلا أن عودته كانت عودة فنان لم ينقطع ولكنه أخفى ما أبانت تلك السنين، حيث إنه عمل على نفسه كثيراً خلال هذه الفترة وطور من ذاته لتكون مفرداته الفنية بتكويناتها وجمالياتها متواكبةً للمعاصرة وتحفظ حروفه وجمالياتها التي أحبها، حيث تخلل انقطاعه تدربه أكثر على الخطوط العربية وتعلمه الذاتي لها إلى أن وصل لمراحل متقدمة ثم تردد بعد ذلك على الخطاط الشهير عباس البغدادي رحمه الله أثناء إقامته في مدينة الرياض - وهو أحد أهم الخطاطين العرب في العصر الحديث - حتى عام 2021م حيت اتصل بخالد وطلب منه زيارته ليفاجئه بعد ذلك بإجازته له بالخط العربي، وتعد هذه الإجازة أشبه بشهادة تخرج يطمح لها كل خطاط محترف ولا ينالها إلا من تمكن من الخط بشكل محترف.
وفي عام 2022م عاد الفنان خالد المطلق للمشاركة بشكل فعلي مع افتتاح جاليري آرت فجن وبدأ بإنتاج تحف فنية متنوعة من أعماله الحروفية ليستمر فيها إلى الآن.
خالد المطلق فنان عشق الحروف وخطاط عشق اللون والتكوين، تعلم الخط وأتقنه واحترف في الفن التشكيلي ليبدأ بدمج مختلف بينهما، حيث تتناغم الحروف بتكوين بصري مميز يجعل من عمله عملاً احترافياً مميزاً يدمج من خلاله المعاصرة العالمية والثقافة العربية لتكون حروفياته مميزة، حيث ينطلق بالحرف بكل جرأة ليكسر كل القواعد ويسبح في فلك لوحته بمتعة تجعله من يصنع قاعدته الجمالية التي تتكون على تكوين عناصره الحروفية بعمله الفني، مع تناغم لوني مميز وهارموني سلس يجعل البصر يتنقل بين الحرف واللون بكل سلاسة كمن يستمع إلى أوركسترا عالمية لا يشوبها نشاز، تلفت كل من رآها سواء كان عربياً أو غير عربي، وليكون فنه رسالته التي تترجم مشاعره وثقافته وتوثق مراحله الإبداعية.
** **
أكس: AL_KHAFAJII