أول ما تفتح أعيننا بعد الولادة، على وجه أمهاتنا، وهن يرتدين ألبسة ذات ألوان مختلفة، كما نسمع أصواتهن وهن يهدهدننا ويغنين لنا، ويمثلن الابتسام طلباً لتقليدنا لهن، كي يبتهجن بنا.
إذن نحن أمام فن حقيقي، فلباس الأم صنعته يد محترفة، وصوت الأم وهي تغني، هو صوت متلون بشكل الغناء الحقيقي، والابتسامة المصطنعة هي تمثيل لمشهد حياتي.
تكاد تكون حياتنا كلها فن، ولا أرى الفن إلا عنصراً رئيساً في حياتنا شئنا أم أبينا، لكن ممارسته وتذوقه تحتاج إلى معرفة ذاتية بإمكانياتنا الفردية، وشعوراً بكينونتنا في المجتمع، ومدى قدرتنا في التواصل مع الآخرين التي هي فن آخر لا يجيده الكل.
صحيح أن ممارسته موهبة إلهية، بمجرد أن تجد منفذاً ولو صغيراً تظهر للعيان وتبرز، عبر أسرة واعية أو معلم أو معلمة يقدر المواهب الفنية، لكنها في كثير من الأحيان تنمو بالرعاية والدعم، وحضور المعارض وارتياد الصالات المتخصصة في الفن بفروعه المختلفة (كالنحت والتصوير والرسم بمدارسه المختلفة).
وفي أقل الأحوال أن تتعايش معه إنسانياً، وتراه متماهياً مع حالتك الشخصية أو قضية إنسانية عامة، تتجاوز الحدود الدينية والإقليمية.
وذلك يعني أن تمارس إنسانيتك وتسمو بها إلى حالة من الشفافية والألق الروحي الذي بأخذك إلى طقس تأملي، يبعدك عن الواقع اليومي المعاش قليلاً من الوقت.
نحن الآن في وطننا العزيز، نعيش نهضة شاملة في كل المجالات وعلى رأسها الفن بعمومه، والتشكيلي بفروعه بشكل خاص، إذ انشئت هيئة الفنون البصرية، وتوسعت الجمعيات المتخصصة في هذا الفن، في مختلف مناطق المملكة، وعلى رأسها الجمعية السعوديةً للفن التشكيلي (جسفت)، التي تصدرت المشهد الآن بفروعها المختلفة، التي تكرم الرواد وترعى المواهب، وتتفاعل بقوة مع الأحداث الوطنية.
ما نطمع فيه أن تكون جمعيتنا أكثر حضوراً، بدعم الجمهور المتعطش للفن التشكيلي، بالحضور والمشاركة والتفاعل، إذ لا فن بدون أن يكون من الناس وإليهم، أليس هو (الخبز اليومي).
** **
عبدالعزيز بن فهد العيد - كبير مذيعي التلفزيون السعودي سابقاً - مستشار الجمعية السعودية للفنون التشكيلية