«الجزيرة» - عبدالعزيز بن سعود المتعب:
ثمة سؤال ملح بدأ يفرض نفسه في الآونة الأخيرة نصه: (لماذا تشابه إنتاج أكثر الشعراء؟ وقل الابتكار في القصيدة..!) بعد غياب الإبداع المختلف عن النمطي السائد الذي كانت تحتفي به الذائقة الرفيعة وبالتالي بات هناك شبه غياب «إلا ما ندر» في الآونة الأخيرة لأي شاعر مبهر - من منظور نقدي- وعليه لم يعد حضور الشاعر -المتكرر- يلفت الأنظار إليه كالنخبة ممن سبقوه من الشعراء المتميزين الذين أبقوا بصمتهم خالدة احتكاماً إلى ما في جعبتهم من شعر..! فهل مرد ذلك إلى غياب (المواهب الحقيقية) في الشعر؟! بحيث حضر الشعراء وغاب الشعر، أم أن الأمر برمته لا يعدو كونه بحثاً عن الضوء -ليس إلا- باسم الشعر لذا انكشفت الأقنعة واحترقت -فلاشات حضور آفلة- لأسماء عابرة لم يسعفها في البقاء لتجاربها المتعثرة كل ما سوى الشعر المتميز، أم أن وسائل التواصل الاجتماعي على تنوعها جعلت من أكثر من تجربة شعرية واهية مشروع شاعر لم يكتمل لأن سقف إبداعه توقف عند طور التكوين..! ولم تتبلور تجربته تماماً، هذا ما سلطت الضوء على تفاصيله مجموعة من الأسماء المعروفة المتميزة في مجالها التي استضفناها هنا وطُرِح عليها هذا السؤال فكانت إجاباتهم التالية:
*** في البداية تحدّث الناقد والإعلامي والشاعر سعد الثنيان مستشار أول في هيئة المسرح والفنون الأدائية مدير النشاط الثقافي سابقاً في وزارة التعليم مستشار في دارة الملك عبدالعزيز سابقاً والذي قال: (النهج النمطي والسير على خطى من سبقهم في كل شيء وعدم الاستفادة من ثقافته الشخصية محاولة إثبات التواجد دون التركيز على المحتوى. كثرة وسائل التواصل مما أدى إلى قبول الغث والسمين. ابتعاد المبدع عن التزاحم المحموم على الشهرة. الكتابة بلهجة غير لهجته التي يتحدث بها).
*** وقال الشاعر والناقد والإعلامي مشعل الفوازي :(في تصوري أن لهذه الظاهرة الكثير من الأبعاد والمسببات من أهمها:
أولاً: الأصل في الشعر -كواقع وليس كافتراض-هو التشابه والتكرار، أما الابتكار فهو الاستثناء، وهذا أمر قديم قدم الشعر والشعراء، حتى قبل أن يطرح عنترة بن شداد بسؤاله الاستفهامي/ الاستنكاري هل غادر الشعراء من متردم؟
ولذلك تتكاثر حالات التشابه وما يسمى بوقع الحافر على الحافر في دروب الشعر المزدحمة عبر الزمن.
ثانياً: في هذا الزمن الذي قلل الفوارق ووسع رقعة المشتركات العامة، ومنها توحد مصادر التلقي لدى شريحة كبيرة من الشعراء، هذا الأمر جعل الكثيرين يكتبون بنفس الأدوات والصياغات والغرض.. مع فوارق لا تكاد تذكر.
ثالثاً: الاستلاب أو التقليد غير الواعي ولا أقصد هنا الوعي المعرفي إنما الوعي الإدراكي الذي يجعل الشاعر - دون أن يعلم- يكتب وكأنه شاعر آخر بعينه، هذا غير التقليد المتعمد، حيث يعتقد البعض أن أقرب طريق للشهرة وللشاعرية هو أن يكون نسخة من الشاعر الكبير فلان الفلاني.. دون أن يدرك أنه لن يكون ذلك الشاعر ولن يكون هو نفسه. في الختام يقول أحد المختصين: هناك شعراء جدد بلا شعر جديد).
*** وقال الشاعر المتميز فهد بن أحمد الناصر: إذا كان عن التشابه في مفردات القصيدة ومضمونها فمرد ذلك إلى تشابه البيئة وحياة الناس في الاستقرار في المدن بينما من يتتبع ما كتبه كبار الأدباء عن الشعر الشعبي مثل الشيخ حمد الجاسر والشيخ عبدالله بن خميس -رحمهما الله- يجد استشهادات بمفردات محددة في الزمن الماضي توثق أماكن من وظفوها من الشعراء في قصائدهم من شعراء البادية مثل أسماء جبال وأودية ووصف للحل والترحال وما سوى ذلك وفي المقابل استشهادات بمفردات توثق قصائد لشعراء من أبناء الحاضرة وبيئتهم سابقاً مثل الزراعة وعادات المجتمع المتعارف عليها آنذاك وغيرها بينما الآن أصبح الكثير من الشعراء يستطيع توظيف كل مفردات بيئة الحاضرة والبادية في قصيدته بحكم تأثره باللون الذي يعجبه من أغراض الشعر -شريطة أن يكون متمكناً من موهبته- وهناك شعراء برزوا في ذلك منذ القدم مثل الشاعر الكبير عبدالله بن سبيل والشاعر الكبير أحمد الناصر -رحمهما الله-وغيرهما -على سبيل المثال لا الحصر- من جهة أخرى أرى أن أكثر التشابه المؤسف يكمن في القصائد الغزلية ربما للبحث عن الشهرة والتسرّع في الوصول إليها كمطلب وهمي حتى لو كان على حساب جودة القصيدة وتجربة الشاعر يضاف لكل ذلك سبب مهم لا يمكن إغفاله وهو غياب دور الشعر في المجالس مؤخراً كما كان في السابق مما قلل من شغف الكثيرين من الشعراء في تلاقح الأفكار والاستفادة من التجارب المسموعة والمشاهدة والمروية في كل زمان ومكان كما أن وسائل التواصل الاجتماعي -بما لها أو عليها- أخذت من وقت الناس وأشغلتهم عن التدقيق في جودة الشاعر من عدمها بعد أن أصبح العرض أكثر من الطلب ولكن في النهاية «لا يصح إلا الصحيح».
*** وقال الشاعر والقانوني محمد بن عبدالعزيز السنيدي: (سئمنا التشابه في قصائد أكثر الشعراء مع الأسف ولم يعد يبهرنا إلا النزر اليسير الذي لا يكاد يذكر فالذائقة الرفيعة لا تنطلي عليها بهرجة الضوء الزائف وتبحث عن اللباب لا القشور في الإبداع والكيف قبل كم الحضور الباهت كما أني أشحذ همم بعض الشعراء الشباب للسباق نحو التميز والتفوق حتى على من سبقوهم في ركب مقدمة التميز في البحر المتلاطم من أسماء الشعراء عبر العصور ناهيك عن مجايليهم تفعيلاً لقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
وإني وإن كنْتْ الأخيرَ زمانُهُ
لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائلُ
لقد ارتبطت صفات بعينها عند الناس بقصائد كبار الشعراء مثل عزّة النفس عند شاعر بني تميم الشاعر الكبير عبدالله بن صقيه - رحمه الله- وكذلك الرقة المتناهية العذبة في قصائد الشاعر الكبير سليمان بن شريم -رحمه الله- وغيرهما من رموز الشعر الشعبي وحري بأكثر الشعراء الشباب من الجيل الحالي تبيان بصمتهم بل وتثبيتها إن استطاعوا في قصائدهم للإبقاء على تجربتهم في ذائقة المتلقي وإلا أفل وهج حضورهم الحقيقي المؤمل عبر القصيدة كأن لم يكن وهو مالا أتمناه).
*** وقال الناقد حسين بن صالح القحطاني: (بكل حياد موضوعي وشفافية ليس من السهولة بمكان أن يكون هناك شاعر متميزاً بين عشية وضحاها ولكي تتميز تجربة الشاعر لابد أن يكون لديه من الثقافة العالية والذكاء والدقة ما يؤهله لتوظيف تداعياته، وأخيلته، ورموزه، وصوره، وتجلياته، عبر القصيدة بتمكن الشاعر البارع في -فن الشعر- ناهيك عن مهارته في التعامل مع أدوات الشاعر في أساسيات القصيدة مثل الوزن، والقافية، والمعنى، والمفردة، أما عن إشكالية التشابه المطروحة هنا فهي منذ القدم ومن كان قد قرأ سلسلة كتاب -الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني- لاحظ أن هناك أسماء لمئات الشعراء الذين لم يصل إلينا شعرهم لسبب رئيسي وهو ضعفه من أي زاوية نقدية تم تناوله من خلالها بينما وصل إلينا شعر كبار الشعراء في العصر الجاهلي وصدر الإسلام والعصر الأموي والعباسي إلى يومنا هذا كأمرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وجرير، والمتنبي، والبحتري وغيرهم، أما عن الابتكار في القصيدة والتفرّد في التعامل معها فهو فن لا يجيده إلا قلة من أصحاب المواهب الشعرية الأصيلة - فالشاعر المطبوع لا المصنوع- هو فقط من يغرد خارج السرب -لذا أبهرنا الشاعر الأمير خالد الفيصل والشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن والشاعر الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- والشاعر نزار قباني -رحمه الله- ومن هم في مستوى شعرهم من منظور نقدي).