إن اليوم العالمي للتراث والمعروف أيضًا باسم اليوم العالمي للتراث الثقافي هو مناسبة سنوية تقام في اليوم الثامن عشر من شهر إبريل من كل عام من أجل حماية التراث الإنساني. وقد حدّد هذا اليوم المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية للاحتفاء به كل عام برعاية منظمة اليونسكو ومنظمة التراث العالمي. وذلك بحسب الاتفاقية التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في باريس 1972م، وبالتالي بدأ العالم الاحتفال بهذا اليوم عام 1982م، ولهذا فإن يوم 18 إبريل 2024م هو اليوم الثاني والأربعون للتراث الإنساني، إذ يعتبر التراث جزءاً لا يتجزأ من هوية الشعوب، حيث يحمل في طياته قصصًا وتاريخًا وقيمًا تميز كل مجتمع. لذلك يعزّز الحفاظ على التراث الوعي الثقافي ويمكننا من فهم تطور المجتمعات عبر العصور.
ويعد اليوم العالمي للتراث فرصة للتوعية والتعليم حول أهمية الحفاظ على التراث وحمايته من التلف والتدهور والإهمال. وفي هذا اليوم تقوم الدول والمجتمعات بتنظيم فعاليات متنوعة في هذا اليوم، مثل المعارض والمحاضرات وورش العمل والعروض الفنية، لتسليط الضوء على التراث الثقافي المحلي وتعزيز الوعي به. وعندما نحتفل باليوم العالمي للتراث، فإننا نشجع الجميع على المشاركة في حماية والاهتمام بالتراث الثقافي، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي. قد يتضمن ذلك زيارة المواقع التاريخية، ودعم المشاريع المحلية للحفاظ على التراث، ونقل المعارف والتقاليد إلى الأجيال القادمة.
وفي هذا السياق، ترفع اليونسكو شعار «التراث والمناخ» في اليوم العالمي للتراث لهذا العام 2024م. ويتمثل هذا الشعار في التزام العالم بالمحافظة على ذاكرة الشعوب الحضارية وربط ما يربط منتوجها الحضاري بتاريخه. ولأن التراث يشمل العديد من العناصر، مثل المعالم التاريخية والأثرية، والموسيقى التقليدية، والملابس التقليدية، والتقاليد والعادات الشعبية، والحكايات والروايات التراثية، والمأكولات التقليدية، وغيرها الكثير، فإن هذه العناصر تمثل ثروة ثقافية لا تقدر بثمن، وتعكس تنوع العالم وتراثه المتنوع، جاء الاحتفال بيوم التراث العالمي بغرض تحقيق الحماية من العبث والاندثار، وذلك من خلال إعداد التشريعات والأنظمة والسياسات العامة التي تلزم المؤسسات والأفراد بالحفاظ على المواقع التراثية والأثرية، وفقاً للاتفاقية التي وقعتها اليونسكو؛ مما يؤدي إلى تعزيز الوعي بأهمية المواقع التاريخية والثقافية والتراثية في العالم، وحمايتها والحفاظ عليها للأجيال الحالية والمستقبلية.
ويتيح اليوم العالمي للتراث أيضاً فرصة للتأمل في التراث الثقافي للمجتمعات حول العالم ودوره في تعزيز التفاهم والتلاحم بين الثقافات المختلفة. لذلك فإن الحفاظ على التراث الثقافي ليس مسؤولية الدول فحسب، بل هو واجب يتقاسمه الجميع للحفاظ على هذا الإرث الثمين للأجيال القادمة.
ومنذ بداية احتفالية العالم بيوم التراث العالمي، شاركت المملكة بجهود كبيرة في تنظيم ودعم وتنفيذ الفعاليات المختلفة المرتبطة بهذه الفعالية العالمية. وتمثل هذه المشاركة استحقاقاً للثقافة والتراث العربي السعودي العريق من خلال إبراز الثقافة والتراث العربي السعودي المتنوع والغني، الذي يحظى بشهرة عالمية. ويشمل هذا اليوم العديد من الفعاليات والأنشطة التي تسلط الضوء على تراث المملكة لتعزيز الوعي الثقافي لدى المجتمع السعودي والعالمي عن التراث الثقافي السعودي. وكمشاركة فعالة من المملكة في هذا اليوم تستضيف مدينة الرياض فعاليات يوم التراث العالمي 2024م، في الفترة (18-23 إبريل 2024م)، وهي فعاليات ثقافية ميدانية تهدف لإعادة تسليط الضوء على أهم المنجزات التراثية التي تم العمل على تأصيلها من التراث السعودي وتسجيلها بشكل رسمي ضمن قائمة التراث العالمي، وفيها العديد من الأنشطة والفعاليات المثيرة للاهتمام في هذا اليوم المميز، من محاكاة لزيارة مواقع التراث العالمي، وعروض ومشاهد ضوئية في سماء الرياض، مع التعريف بأساليب البناء والعمارة التقليدية في جناح التراث العمراني، بتنظيم تشكر عليه هيئة التراث في وزارة الثقافة. وتهدف هذه الأنشطة وغيرها إلى إبراز التراث الثقافي السعودي المتنوع والغني. كما تشمل الفعاليات في يوم التراث العالمي في المملكة مجموعة متنوعة من الأنشطة المختلفة التي تعكس تراث البلاد وثقافتها الفريدة، مثل: المعارض الثقافية، العروض الفنية والمسرحية، الورش المباشرة للحرف التقليدية، والعروض الترفيهية التي تتضمن التراث السعودي وتنميته بطرق مبتكرة وممتعة. كما تضم الفعاليات العروض الخاصة بالموسيقى والرقص التقليدي السعودي، والمسابقات التراثية المختلفة التي تشجع المشاركة النشطة من الجمهور وتسلط الضوء على الموروث الثقافي للمملكة.
وأخيراً، ولأن المملكة تُعد موطناً لتراث غني ومتنوع يعكس الحضارات المتعاقبة التي استوطنت أراضيها عبر العصور؛ تتخذ السعودية خطوات مهمة نحو الحفاظ على هذا التراث الثقافي، وذلك من خلال تطوير الأنظمة واللوائح التي تضمن حماية المواقع الأثرية والثروات الثقافية. وتعمل هيئة التراث السعودية على تعزيز الأبحاث وتنمية المواهب المتخصصة في مجال التراث، واستخدام أحدث التقنيات الرقمية لإدارة وحماية التراث الوطني بفعالية. كما تسعى الهيئة إلى رفع مستوى الوعي والاهتمام بالتراث من خلال مبادرات مثل منصة «بنَّاء» التي تدعم مشاريع ترميم التراث العمراني، وتشجع على المشاركة المجتمعية في هذا المجال. وكذلك فإن جهود الحفاظ على التراث في السعودية لا تقتصر على الجانب الثقافي فحسب، بل تمتد لتشمل الجوانب الاقتصادية أيضاً. فمنطقة العُلا، على سبيل المثال، تُعتبر واحدة من أهم ركائز التاريخ السعودي وتستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم، مما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني. وتُظهر هذه الجهود التزام المملكة بأهداف رؤية 2030م، والتي تشمل تمكين المرأة وتعزيز الهوية الوطنية من خلال الفن والثقافة. حيث شكلت هذه الإجراءات جزءاً من استراتيجية شاملة للحفاظ على التراث السعودي كثروة ثقافية وطنية وعالمية، وتُعزز من مكانة المملكة كمركز للثقافة والتاريخ في الشرق الأوسط. ومن خلال هذه الجهود، أسهمت المملكة في حماية التراث الإنساني وإعلاء قيمته للأجيال القادمة بدعم من قيادة المملكة الرشيدة بتوجيه ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.