الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تعددت التعريفات للمال في الفقه، والتي منها: المال عرفه الفقهاء بأنه: كل ما يتملك ويمكن الانتفاع به وحيازته»، ويعرف القانونيون المال العام بأنه: «الأموال التي تكون مخصصة لمنفعة عامة أي لاستغلال الجمهور مباشرة، بأن تكون مخصصة لخدمته، أو لخدمة مرفق عام، أي مخصصة لمنفعة عامة».
ولتسليط الضوء حول المال العام تعريفه وأهميته وخصائصه، وخطر التعدي عليه، والقواعد الفقهية والنظامية والقضائية لحمايته، كان هذا اللقاء مع الدكتور عمر بن عبدالله المشاري السعدون الحاصل على درجة الدكتوراه من المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكان عنوان أطروحته بعنوان: (أحكام ملكية الدولة العقارية في الفقه والنظام السعودي) والتي حصل عليها بتقدير (ممتاز)، وفيما يلي نص الحوار:
* ما أهمية المال العام وماذا يمثل للدولة؟
- يمثل المال العام الوسيلة الماديّة للدولة والادارة للقيام بنشاطها، مثلما يمثل الموظفون الوسيلة البشريَّة، والقرار والعقد الإداري يمثلان الوسيلة القانونيّة لها، وترجع جذور فكرة تمييز المال العامّ من المال الخاص المملوك للدولة إلى الشرائع القانونيّة القديمة، وللمال العامّ أهميّة كبرى إذ يُعدّ العصب الرئيس للنظام الاقتصاديّ للدّولة.
* وما خطورة التعدي على المال العام، وما عقوبته الأخروية في الإسلام؟
- الإسلام يحترم الملكية سواء كانت ملكية خاصة لأحد الأفراد أو كانت ملكية عامة لأفراد الأمة، ولهذا نجد أن الاسلام قد عاقب من يتعدى على الملكيات الخاصة والعامة، لأن الملكيات محترمة في الشريعة الإسلامية، ورتب على الاعتداء على الملكيات الخاصة والعامة عقوبات أخروية في الدار الآخرة، ووعيد شديد إلا أن الملكية العامة أشد لأن الخصم فيها هو مجموع الأمة، وهذا من الخيانة للأمة وانعدام الأمانة، وهي جريمة تعدي على أموال الأمة العامة، والأمانة هي: ضد الخيانة والأمانة: تطلق على كل ما عهد به إلى الإنسان من التكاليف الشرعية وغيرها كالعبادة والوديعة، ويستدل على ذلك من نصوص القرآن الكريم حيث قال تعالى: {نَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} سورة النساء الآية: (58).
ففي حث الشارع على أداء الأمانة وردها لأهلها احترام لملكية الغير ويترتب على غير ذلك استحقاق العقاب للمخالف، وقال تعالى أيضا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة: الأنفال الآية: (27).
والتعدي على ملكية الغير خيانة للأمانة، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}سورة: المؤمنون الآية: (8).
وجه الدلالة إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بتأدية الأمانة إلى أهلها لأن خيانة الناس خيانة لله ورسوله أيضاً، وعليه فإن حفظ أموال الأمة العامة واجب على الإمام وعلى المسلمين كافة والاعتداء عليها خيانة وجريمة، والدليل من السنة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ».
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائتُمِنَ خَانَ».
وجه الدلالة: اعتبر الاسلام خيانة الأمانة من علامات النفاق لأنها تعدٍ على ملكيات الناس الخاصة والعامة.
وقد جاء في الحديث قَول النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ».
وأيضاً عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
وجه الدلالة: ففي الحديثين دلالة واضحة على تحريم غصب الأرض ظلما وحرمة التعدي على ملك الغير فغصب الأرض والتعدي عليها وأخذها بغير وجه حق هو ظلم من الغاصب فمن يفعل ذلك فإنه يطوق بإثم فعلته كالطوق في عنقه يوم القيامة.
* وما العقوبات المالية على المتعدي على المال العام في الفقه؟
- إن الاعتداء على المال العام سواء كان مالاً أو منقولاً أو عقاراً ليس له عقوبة مقدرة فتكون العقوبة فيه تعزيرية والعقوبة التعزيرية جزاء التعدي على المال العام والمرافق العامة وعلى ملكية الدولة العقارية العامة، قد تكون بالحبس وقد تكون بالتغريم بالمال، فلقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضاعف الغرم والعقوبة على من سرق ما لا قطع فيه ويستدل على ذلك بما روي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَارِقٍ قَدْ سَرَقَ شَمْلَةً، فَقَالَ: «أَسَرَقْتَ مَا إِخَالُهُ سَرَقَ»، قَالَ: بَلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ»، فَقَطَعُوهُ ثُمَّ حَسَمُوهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُبْ»، فَقَالَ: تُبْتُ إِلَى اللَّهِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ»، وقد تعددت العقوبات المالية في الفقه الإسلامي وسنذكر بعض العقوبات لا على سبيل الحصر:
-1 الكفارة: شرعت الكفارات في الإسلام لاستقرار المجتمع أمنياً ونفسياً والكفارة هي عقوبة أصلية وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة الآية: (89).
ومن العقوبات المالية أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعل عقوبة مانع الزكاة أخذ نصف ماله إذا امتنع عن إخراج زكاة ماله فجاء في الحديث الشريف عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَلَا يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا -قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ مُؤْتَجِرًا بِهَا- فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ».
في هذا الحديث تعزير من النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمال حيث جعل عقوبة مانع الزكاة تغريمه نصف المال بعد أخذ الزكاة، وغرّم عمر بن الخطاب حاطب بن أبي بلتعة ضعف ثمن ناقة المربي لما سرقها رقيقة.
-2 المصادرة: وتعني في اللغة المطالبة في إلحاح، وهي استيلاء الدولة على الأموال عقوبة لمالكها، وحيث يراد بالمصادرة منع الشيء محل أو سبب الجريمة من صاحبه وأخذه منه، لينتفع به المسلمون أو أن يعهده به الي غيره ليبيعه فالمصادرة عقوبة تعزيرية مقدرة لولي الأمر وتكون المصادرة في الأشياء الحرام كالخمر والمخدرات والأموال المتحصلة من حرام.
* وماذا عن العقوبات المالية في النظام السعودي؟
- علينا ابتداءً تعريف العقوبات المالية، وهي إلزام المحكوم عليه بأن يدفع لخزينة الحكومة مبلغ من المال يقدر في الحكم.
ونستنتج من هذه التعريف أن العقوبات المالية تعني حرمان المتهم من بعض أو كل ماله جزاء مخالفته لأحكام قانونية وتشريعية ويكون الحرمان من كل أموال المتهم بالمصادرة القانونية إلا أن التشريعات راعت الحفاظ على الأموال الخاصة فجعلت المصادرة في جرائم معينة، والعقوبات المالية متنوعة لا تقتصر على المصادرة وحسب بل تتنوع الى المصادرة والغرامة والرد والتعويض حيث تعرف الغرامة بأنها: مبلغ من المال يقدره الحكم القضائي ويلزم المحكوم عليه بدفعه إلى خزانة الدولة كجزاء وتكون الغرامة كعقوبة في المخالفات والجنح.
وتعرف المصادرة بأنها: نقل ملكية مال إلى الدولة بدون مقابل وبذلك تكون المصادرة عقوبة عينية ويقتصر الحكم بها على الجنايات والجنح. والرد هو: إعادة المال إلى أهله، أما التعويض فهو: جبر الضرر الذي أصاب المجني عليه أو غيره بسبب الجريمة.
ومن أمثلة نص المنظم السعودي على الغرامة أنه جعلها كعقوبة على الموظف العام المختلس إذ أن في اختلاسه تعدٍ على المال العام الموكل إليه بحمايته حيث جاء في المادة الثالثة عشرة من مشروع نظام مكافحة الاعتداء على المال العام وإساءة استخدام السلطة على عقوبة الاختلاس من قبل الموظف العام فنصت على: «كل موظف عام اختلس مالاً عاماً -سلّم له بسبب وظيفته- أو بدده أو فرط فيه أو تصرف فيه بغير حق، يعاقب بغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو بهما معاً».
* وما الفرق بين المصادرة والغرامة؟
- الفرق بين المصادرة والغرامة المالية كعقوبات مالية، المصادرة هي: عقوبة مالية تعني أخذ مال الجاني للدولة بدون مقابل لكن بينهما فروق فالغرامة عقوبة نقدية والمصادرة عقوبة عينية، والغرامة عقوبة أصلية، بينما المصادرة عقوبة تكميلية وأيضاً الغرامة عقوبة على الدوام والمصادرة تكون تدبير أو تعويض.
* وما الفرق بين الغرامة الجنائية والمدنية كعقوبة مالية؟
- الفرق بين الغرامة الجنائية والمدنية كعقوبة مالية:
الغرامة الجنائية: هي الغرامة التي يعاقب عليه القانون مخالفة لجرائم الجنايات والجنح والمخالفات، والغرامة المدنية: ليست مقررة لأفعال تعد جرائم وإنما هي جزاءات إدارية يقصد بها ضمان حسن سير تطبيق القانون.
* وما هي خصائص العقوبات المالية؟
- خصائص العقوبة المالية:
-1 العقوبة المالية تفرض من قبل الدولة.
-2 العقوبات المالية إلزامية.
-3 العقوبة المالية تفرض دون مقابل.
-4 العقوبة المالية هي اقتطاع نقدي.
-5 العقوبة المالية لا تمس جسد الإنسان ولا حريته.
* وما هي القواعد النظامية والقضائية والمدنية لحماية المال العام في النظام السعودي؟
- يوجد في النظام السعودي كثير من القواعد القضائية والمدنية لحماية المال العام وإعطائه خصوصية مهمة، وهذه القواعد، كالتالي:
أولاً: قاعدة عدم جواز التصرف في المال العام.
ثانياً: قاعدة عدم جواز اكتساب المال العام.
ثالثاً: قاعدة عدم جواز الحجز على الأموال العامة.