«الجزيرة» - عبدالعزيز بن سعود المتعب:
تبي سلمان ناظر في السماء كانك تبي سلمان
يا محمدٍ حييـّت يا نسل الأمجاد
** **
- الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن -رحمه الله-
** ** **
منذ عقود والشاعر الكبير الأمير بدر بن عبدالمحسن يتصدر المشهد في إبداعه كواجهة مشرّفة للشعر الحقيقي المواكب في المملكة العربية السعودية في كل أغراض الشعر التي تطرق إليها (العمودي أو التفعيلة)، كما أن تجربته الشعرية الثرية -من منظور نقدي- هي مرحلة ارتقاء بالقصيدة إلى آفاق أرحب ارتقت بالذائقة عالياً، ومن يرصد تفرّد نهجه منذ بداية السبعينيات يدرك جليًّا أن بصمته لا تشبه الجيل السابق أو اللاحق له، بل كانت وستظل أيقونة نور جمال لا يأفل، يقول رحمه الله: (وين ينبت هالنخل إلا بين ضلوعنا.. ولا يشعل هالنجوم.. إلا ضي شموعنا.. ولما يمطرها السحاب.. الصحاري والهضاب.. اللي يشرب هالتراب.. ضحكنا ودموعنا.. لما يسكت هالزمن أنت أجمل بوحنا.. لما نعشق هالوطن.. حنّا نعشق روحنا).
ولطالما ردد الجميع رائعته -رحمه الله- في مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أطال الله عمره وأدام عزه:
صحت نجدٍ على صوت النباح ولجّة الغربان
عوافي قربي منك الوساده وادخلي لحافك
كأنك ما تعودتي على التجريح والنكران
من اللي زادهم فيما مضى من لحم أكتافك
تغطّي ما عليك إلا الرضا ورعاية الرحمن
صباحٍ ما يساوي طلّتك من راس مشرافك
عليتي يا عماد الدين وجمرة شيمة الفرسان
كثير الظلم ما ضرّك ولا هو سرّنا انصافك
ولو كسب المعارك هرج سادوا غيرنا عربان
نبا سيف الحروف وما نبت في الحرب أسيافك
نحسب إيران تكرهنا.. وكلٍ في الهوى إيران
عسى يفداك من حب وعسى يفداك من عافك
متى يا قبلة الدنيا عرفتي الذل والحقران
ومنهو اللِّي تجرأ يقهرك أو يكتف كتافك
تهاوى عرش كسرى وانتهت سطوة بني عثمان
وانتي مثل خشم طويق في عزمك وميقافك
أنا والله ما أدري وش تبي يالثاير الزعلان
تظن بلادنا ترجيك؟! أو شيخونا تخافك
تبي سلمان ناظر في السماء كانك تبي سلمان
تخيب يديك ما طلته ولا طالوه أسلافك
صحت نجدٍ على صوت العويل ولجّة الغربان
عوافي.. قرّبي منك الوساده وادخلي لحافك
ومن أشهر قصائده -رحمه الله- في مقام سيدي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أطال الله عمره وأدام عزه- قصيدته المنشورة هنا في صفحة الأدب الشعبي في صحيفة الجزيرة بتاريخ الأحد 4 أبريل 2021م:
مانيب عن هرج المعادين نشَّاد
عجاجةٍ جانا المطر من وراها
وإن جدّد الظالم مزاعمه وش عاد
هذا هوى نفسه وهذا جداها
ما تصلح الدنيا بلا صبر وعناد
ولطم الخشوم وردّها عن هواها
أنشهد إن بلادنا المملكه بلاد
ما أعظم مكانتها وما أطول مداها
يا محمدٍ حييت يا نسل الأمجاد
جمرة هل العوجا وشعلة ضياها
يا محمدٍ حيّيت من روس الأشهاد
بقولها وأفرح بردّت صداها
حنّا نشوف الصبح من قبل ينقاد
في مفرقك والشمس غضٍ سناها
نحتاج لك روحٍ ونحتاجك فؤاد
وتحتاجك أرضك يا معمّر ثراها
لا يكدّرك يا أمير فاجر وجحّاد
بعض النفوس إبصارها هو عماها
وإلى رضى سلمان يحتج من راد
ما جيت خلق الله تدوّر رضاها
والله فوق الكل فحماه تزداد
عزٍ وتهنا المملكه في رخاها
وقد كُرِّم في حياته -رحمه الله- من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- بمنحه وشاح الملك عبدالعزيز عام 2019م، وكذلك من قبل الهيئة العامة للترفيه بعنوان: (ليلة الأمير بدر بن عبدالمحسن نصف قرن والبدر مكتمل) وأشار معالي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ إلى تسمية المسرح المبني خصيصاً لهذه المناسبة بمسرح الأمير بدر بن عبدالمحسن.
قدم -رحمه الله- للشعر والفكر الكثير طيلة حياته حتى بات رمزاً من رموز الشعر في الوطن العري على كل الأصعدة، ناهيك عن كتاباته لأبرز الأوبريتات وإقامته لأشهر الأمسيات داخل الوطن وخارجه، منذ أن كان رئيساً لجمعية الثقافة والفنون عام 1973م.
ومن إصداراته عدة دواوين (هام السحب، وشهد الحروف، ورسالة من بدوي، وما ينقش العصفور في تمرة العذق، لوحة ربما قصيدة).
وعلى الصعيد الشخصي تربطني بالشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن علاقة محبة وتقدير منذ أواخر الثمانينيات الميلادية، والفضل في ذلك للشاعر الأمير محمد بن خالد -رحمه الله- وهو ابن شقيقة الأمير بدر بن عبدالمحسن، وزوج ابنته، حيث كنّا زملاء في كلية القانون في جامعة الملك سعود، وكنت توّاق بحكم إعجابي الكبير بنهج الأمير بدر في القصيدة، للالتقاء به، ومعرفته عن كثب، وهو ما تحقق لي لاحقاً، ويعلم الله العلي العظيم أنه كان إنساناً بكل المضامين الرفيعة للكلمة في رقي تعاطيه مع الآخر، وفي أدبه الجم وفي نقاء سريرته وفي حسه النقدي الرفيع في الشعر وفي ثقافته الغزيرة.
كما أنني لن أنسى تشرفي بدعوته في بداياتي في الثمانينيات الميلادية لأمسية شعرية أقامها في جامعة الكويت.
ومن ذكرياتي معه -رحمه الله- أنه يستشهد في مكانة (بئر هداج الشهيرة) في محافظة (تيماء) في الشعر على مر التاريخ، وقد أشار إليها في مرثيته لوالده الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز بقوله:
مرحوم يا ريف الأرامل والأيتام
ياللِّي رفيقك دوم مكرم ومحشوم
(هداج تيما).. وإن زما الضد لطّام
ولاجا اللزوم الصعب يقضيه زيزوم
وقد تشرّف والدي سعود بن عبدالعزيز المتعب -رحمه الله- بخدمة وطنه كمحافظ سابق لتيماء، وكنت كلما زرت الأمير بدر بن عبدالمحسن -رحمه الله- بعد زيارتي لتيماء وعودتي إلى الرياض، قال: (هاه وش أخبار هداج يا عبدالعزيز).
وأتذكر حينما أقام الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك (مشروع الملك سعود لترميم بئر هداج) وأخبرت الأمير بدر قال رحمه الله: (الله يبشرك الخير ويبيّض وجه الأمير فهد بن سلطان ويطول عمره).