تحت شعار «الحوار من أجل السلام والأمن العالمي: التعاون والترابط»، انطلق أعمال النسخة السادسة من المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات، بمدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان، خلال الفترة من 1 إلى 3 مايو 2024، بحضور رفيع المستوى لمسؤولين ووفود دولية وممثلي منظمات دولية وشخصيات عامة ومفكرين مرموقين من جميع أنحاء العالم.
تجدر الإشارة إلى أن المنتدى تنظمه حكومة أذربيجان بالشراكة مع اليونسكو وتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة ومنظمة السياحة العالمية والإيسيسكو. وحضر هذا الحدث 700 ضيف يمثلون أكثر من 100 دولة.
اجتمع مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى ورؤساء البرلمانات والزعماء الدينيون والعلماء والصحفيون وممثلو مختلف المجموعات العرقية واللغوية والثقافية في باكو للمساهمة في تعزيز السلام والأمن العالمي من خلال الحوار البنّاء.
وفي إطار المنتدى الذي استمر لمدة ثلاثة أيام، تم عقد 4 جلسات و12 حلقة نقاش. وغطى المواضيع ذات الصلة بالتعليم، وسياسة الشباب، وتغير المناخ، والذكاء الاصطناعي، وحماية التراث الثقافي، والهجرة غير الشرعية، وما إلى ذلك.
وكما أنه تم تنظيم الرحلات للمشاركين في المنتدى إلى الأراضي الأذربيجانية المحررة من 30 عامًا من الاحتلال. وتضمن الحدث أيضًا جلسات نقاش خاصة في أغدام وشوشا. وهذه أيضًا فرصة لإنشاء منصة لمخاطبة المجتمع الدولي من الأراضي المحررة في أذربيجان.
يجب الذكر أن المنتدى العالمي الأول للحوار بين الثقافات، الذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من «عملية باكو» بشأن الحوار بين الثقافات التي طرحها الرئيس إلهام علييف في عام 2008، نُظِّم في باكو في عام، وعقدت المنتديات اللاحقة في أعوام 2011 و 2013 و2015 و2017 و2019.
وخلال الفترة الماضية، توسعت جغرافية المنتدى بشكل كبير، وازداد عدد الدول والمؤسسات المشاركة في الحدث. وفي المجمل، شارك في المنتديات أكثر من 10 آلاف مندوب - مسؤولون حكوميون وقادة وممثلو المنظمات والمؤسسات الدولية. وفي الوقت نفسه، تم تنظيم أكثر من 200 حدث بأشكال وصيغ مختلفة، وجلسات عامة وحلقات نقاش وعروض تقديمية في إطار المنتدى. وعقدت المناقشات في إطار خمسة منتديات سابقة، والتي ركزت على التحديات التي تهم الإنسانية، وأصبحت الوثائق المعتمدة مبادئ توجيهية للمنظمات الدولية، وتم اعتماد عملية باكو كمنصة مهمة للحوار بين الثقافات.
وفي كلمته بالجلسة الافتتاحية للمنتدى، الذي يأتي في إطار «عملية باكو»، أشاد الرئيس علييف، بالمنظمات الدولية المشاركة في تنظيم النسخة السادسة من المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات، منوهًا بإسهام الحاضرين من الشخصيات المرموقة في بلورة أفكار ذات منهجية جديدة لمعالجة القضايا الكبيرة على الأجندة الدولية.
وأكد أن أذربيجان كانت دائمًا عبر التاريخ ملتقىً للثقافات، وأن موقعها الجغرافي المتميز بين الشرق والغرب جعلها تلعب هذا الدور الحيوي، ليتميز المجتمع الأذربيجاني بتنوعه الثقافي والإثني الكبير، وحفاظه على قيم التسامح والتعايش والاحترام والشراكة.
وقال «إن الحوار يمثل اليوم فرصة للعمل بطريقة مؤثرة على مستقبل عالمنا»، مشددًا على أن الشبكات الاجتماعية والذكاء الاصطناعي يجب أن تكون رافعة للتفاهم والفهم المتبادل بدلًا من أن تكون عائقًا للتواصل ومصدرًا للخلاف.
كما أبرز الرئيس الأذربيجاني التزام بلاده الجاد بتعددية الأطراف، قائلًا «لقد عززنا قيم التعددية بحركة عدم الانحياز منذ سنة 2019 وحتى بداية هذه السنة»، مستعرضًا التدابير الهامة المتخذة إبان رئاسة أذربيجان للحركة، بما في ذلك إحداث الشبكة البرلمانية، ومنظمة الشباب، ومنصة المرأة التابعة للمنظمة نفسها.
وخلال كلمته في الجلسة نفسها، أكد الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام للإيسيسكو، انفتاح المنظمة على الجميع في ظل رؤيتها الاستشرافية وتوجهاتها الاستراتيجية، في سياق دولي وإقليمي يفرض الاتفاق على وسائل عملية تخمد نيران الصراعات عبر تمتين مقومات الثقافة والحوار، وحث مراكز البحث والدراسات إقليميًّا ودوليًّا، على تبني معايير الموثوقية فيما تصدر من معلومات وتحليلات تقوم عليها السياسات، مبرزًا أن المقاييس التي ينبغي الاستناد إليها دائمًا تكمن في حالة السلم ودرجة الأمان اللتين تجعلان الإنسان مطمئنًا وقادرًا على التطلع إلى غدٍ أفضل.
وأكد الدكتور المالك أهمية المؤتمر في عالم ما يزال متراجعًا على مستوى الأمن والتعايش الإنساني، حيث استعرض إحصائيات تظهر أن سنة 2023 كانت الأعلى من حيث معدلات تدهور الأمن وتصاعد الصراعات دوليًّا بـ 183 صراعًا مسلحًا، وارتفاع حوادث العنف بنسبة 28 %، ووجود نحو 800 مليون شخص تحت خط الفقر، وتراجع عدد المعلمين، ونشاط 459 جماعة مسلحة تثير المخاوف بمناطق يقطنها 195 مليون إنسان.
ونوّه المدير العام للإيسيسكو بمخرجات «عملية باكو»، وتتابع القمم في العاصمة الأذربيجانية، معربًا عن الفخر بالشراكة المتميزة التي تجمع المنظمة مع أذربيجان، وهو ما يتجلى فيما ستشهده مدينة شوشة، قريبًا من انطلاق أنشطتها كعاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، ومؤكدًا أن تفاهم الجانبين في المجالين الحضاري والثقافي، ينبع من كونهما يرتادان الآفاق ذاتها، ويحملان فكرة الحوار العالمي نفسها، مستعرضًا برامج ومبادرات الإيسيسكو في هذا المجال، تطلعًا نحو عالم أكثر ترابطًا ومرونةً ازدهارًا.
من جانبه دعا ميغيل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي لمنظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، إلى تضافر الجهود لإحلال السلم والاستقرار في جميع مناطق العالم، وإلى مزيد من التضامن والتكامل بين الحضارات والثقافات كأداة من أدوات فض النزاعات، وضرورة تكثيف الحوار كمفتاح لوقف الحروب، مؤكدًا أن التحالف بين الحضارات خطوة تكتسي أهمية كبيرة في حفظ الكرامة الإنسانية، وواجبًا أخلاقيًّا يضمن صون حقوق الإنسان.
وأشاد المسؤول الأممي بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في 19 إبريل بين أذربيجان وأرمينيا بشأن ترسيم الحدود، معتبرًا أنها «خطوة إيجابية للغاية وإشارة قوية لنا جميعاً، وهناك سبب وجيه للأمل في أن يتم حل جميع القضايا الأخرى العالقة قريبًا من أجل تحقيق المصالحة الكاملة».
ومضى قائلًا: «لقد أصبح الحوار والسلام والأمن والتعاون والترابط مفاهيم مترابطة بشكل متزايد ويعزز بعضها بعضًا»، لافتًا إلى أن «الحوار هو نهج التغيير الذي يربط بينها جميعًا».
وأضاف أن «الحوار هو أحد أدوات القوة الناعمة للوقاية من النزاعات وتسويتها»، مسجلًا أنه ينزع فتيل التوترات قبل أن تتفاقم ويسد الفجوات لتيسير حل مقبول للطرفين.
كما أعرب المسؤول الأممي عن قناعته بأن تعقيد التحديات العالمية اليوم يتطلب مقاربات وشراكات جديدة، داعيًا إلى تحالف والتزم جماعي بالسلام، على أن يكون الحوار هو الخطوة الأولى وليس الأخيرة.
يشار إلى أن الهدف الرئيسي لهذا المنتدى، الذي يندرج في إطار «عملية باكو»، التي أطلقها الرئيس إلهام علييف سنة 2008، يتمثل في استكشاف أوجه التقاطع الجوهرية بين تيسير الحوار وأطر التعاون وفعالية القيادة والديناميات المعقدة للترابط، وذلك من أجل تعزيز متطلبات السلام والأمن العالميين.
وضم برنامج المنتدى سلسلة من الجلسات العامة والموائد المستديرة التي تجمع ثلة من الجهات الفاعلة حول مواضيع تشمل، على الخصوص، التربية والشباب وتغير المناخ والذكاء الاصطناعي وحماية التراث الثقافي والهجرة غير الشرعية.