يختلف الإنسان في هذه الحياة بمراحل عدَّة سواء في التفكير أو الطبائع أو التَّأمُّل فمنهم من يمر بالحياة مرور النَّسيم الهادئ لا يترك أثراً من بعده، ومنهم يمر بهذه الحياة مرور الكرام ومنهم من يحتاج إلى الحياة كالزوبعة يهدم ويخرب، والقليل منهم الَّذين يعبرون الحياة كالسحاب الذي ترجوه الأرض من السَّماء ليروي به الظمأ وتخضر به الأرض بالنبات والشجيرات المتعدِّدة.
إن فن التصوير التشكيلي ليس مجرد لوحة نشاهدها فقط على إنَّها تعطينا ذلك المذاق الحسي الَّذي من طبيعته أن ينصرف عاجلاً، أو يغيب عن خاطرنا آجلاً كما أنَّه ليس بالضرورة أن يكون الفن صورة تشكيليه تعبر لنا تجارب، تعبيرية أو نفسيَّة أو واقعية أو تلقائية، فإنَّها تحرك في نفس الفنان التشكيلي ذات المشاعر الَّتي جاشت في نفسه؛ فالفن شيء يتفاعل داخل النَّفس البشريَّة المتباينة بشكل نسبي ووجوده يشكل في عالم المعاني ذات المغازي الإنسانيَّة الرمزية التي تصور لنا أمور متجانسة الإيقاع مع عمليَّة الابتكار عند كل فنان سويٌ فهو يمتزج فيه الحرس بالعقل وبالمهارة التطبيقية، والفنان الذي يتحلَّى بالاتجاه الروحي يكتسب بهذا المعادل بُعداً تأملياً يميز حياته ويطبع موضوعاته التي تحقق نفسها بنفسها داخل محيط أعماله التشكيلية بكل ما يتسم بصفاء الروح ونقاء القلب وطمأنينة النَّفس وطهارة السريرة وسكينة الجوارح فالفنان عندما يمارس عمليَّة الإبداع فهو يضفي فنه على ذاته في الوقت الذي يلقي بذاته على فنه حينما يستقيم الفنان مع فنه، وتأتي تصوراته وفق طبيعته السوية التي صقلتها طويته النقيَّة فهو يطرح علينا بُعداً إنسانياً مميزاً مبعثه ذلك البحر العميق الَّذي يتدفَّقُ بالعطاء ويفيض بالسيل الذي يجود بالاتزان و الانسياق و بالمعاني السامية ويستجلها بألوان الزاهية وخطوطه المتباعدة - فقد تحدث الفيلسوف الإغريقي القديم: "سقراط" قائلاً لأحد تلاميذه "تكلم حتى أراك" أي عندما يتكلم الإنسان ممكن أن نفهمه وأن تستوعبه، اليوم أصبح أحد الاتجاهات علم النفس الحديث يقول لك "ارسم حتى أراك" أي أنه من الممكن أن نفهم المرء من خطوطه وألوانه وأشكاله - فإن خصائص الألوان المميزة لبعض البراعم الناشئة في فترة المراهقة المبكرة... فإنها توضح جوانب الاتفاق والاختلاف في الألوان وفي رسوم المتطرفين من ذوي الذكاء المرتفع مقابل الذكاء المنخفض والانفعاليين مقابل الثابتين انفعالياً، والعدوانيين مقابل الاجتماعيين.
إن للبراعم الناشئة بالمرحلة الإعدادية خصائص عامَّة عند اختيارهم للألوان واستخدامها في حالة تناولهم للموضوعات التعبيرية المتعددة المجردة والقريبة من الواقع، ولقد اتضحت تلك الخصائص في رسومهم ومن أهم تلك الخصائص اللونية العامَّة أن للبراعم الناشئة مبالغة لونية شائعة في رسومهم كما هي مرتبة تنازلياً كما يلي :-الأحمر - الأصفر - الأزرق - الأخضر - البرتغالي الأسود - الأبيض - البني. وقد استخدموا الألوان الصريحة أكثر من المتداخلة والمخلوطة ... فقد تميزت رسومهم بسيطرة اللون على مساحة الرسم واتضح أن هناك خصائص لونية مميزة بين الأذكياء والأقل ذكاء ... فالذكي ذو ضمير مثابر، ومفكر، ومثقف، ومن مهذب، يمتاز بالروح المعنوية العالية أما الأقل ذكاء فهو يمتاز بالغباء، وضعف الخلق، وعدم المثابرة، والفظاظة، وعدم الاهتمام بالأمور الذهنية. أما الانفعالي فهو يتصف بعدم النضج، وعدم الثبات، وسهولة الانفعال إذا أحبط، فهو متقلب الاتجاهات والميول، سهل الإثارة، نشاطه زائد، يهرب من تحمل المسؤولية، دائم قلق، يثير المتاعب، غير متزن، انفعالي، ضعيف الأنا أما الثابت - يتصف انفعالياً بقوَّة الأنا والنضج والهدوء والنضج الانفعالي ثابت، مستقر في اتجاهاته وميوله، هادئ، متزن، واقعي، يتكيف مع الحقيقة والواقع، وفيَّ كريم الخلق، لطيف، لا يسبب مشاكل، ويكشف هذا العامل من قوَّة التكامل والضبط الانفعالي الذي وصل إليه الفرد اما الثابتين انفعالياً مخلوطاً ومتداخلاً فاللون الغالب لدى كل من الانفعالين والثابتين هو الأصفر بشكل عام. أمَّا العدواني فإنه يتصف بأنه ناقد، يقاوم توجيه الكبار، هادئ، منعزل، ضعيف، رقيق، شكاك، حاقد، حاسد، ميال للحزن والبكاء. أما الاجتماعيِّ - فإنه يتصف بسهول المعاشرة متعاون، ميال للناس، رقيق القلب، يشعر بالغير قابل للتكيف، مهمل، ودود، لطيف، خجول.
والله الموفِّقُ والمعين.