الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل أستاذ الدراسات العليا في العلوم الشرعية أن الداعية الناجح في دعوته منهجاً وأسلوباً وذكراً حسناً هو الذي أيده الله بالبصيرة ووفقه للقبول وحسن السيرة، مشيراً إلى أن من مقاصد الشريعة ترك التفرق والتحذير منه.
وقال د. علي الشبل في حديثه مع «الجزيرة» إن الله سبحانه وتعالى حذر من القول عليه بلا علم وعدّه من الكبائر قرين الشرك به، كما بيّن خصائص الحرم، وغيرها من الموضوعات المتعلقة بتخصصه الشرعي، وفيما يلي نص الحديث:
* من مقاصد الشريعة العظمى ترك التفرق، والتحذير منه، كما أن من مقاصد الديانة الاجتماع والوحدة على دين الله تعالى؛ فما مخاطر ذلك؟
- ثنى الله في القرآن الأمر بذلك والنهي عن ضده.
ففي سورة آل عمران {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} الآية، بل وحذرنا سبحانه شأن الأمم قبلنا -ولا سيما أهل الكتابين: اليهود والنصارى- في ذلك.
فقال سبحانه في آية آل عمران: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، وقال سبحانه في آيتي الأنعام: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، والسنة النبوية الصحيحة طافحة بالأدلة المتكاثرة في التحذير من الفرقة والافتراق كأحاديث الافتراق، واتباع الأئمة المضلين، وتسليط بعضهم على بعض... إلخ.
ولذا فالخلاف الموصل إلى الفرقة غير معتبر ولا يسوغ شرعاً، لأن الخلاف في أصله وأثاره شر، كما قاله عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لما أتم الرباعية في منى مع عثمان رضي الله عنه في الحج وقال قولته المسددة: (الخلاف شر)، وكذلك الخلاف في أصول الملة وقواعد الدين كأصول العقيدة وأبواب الإيمان وأركان الإسلام والواجبات كالبر والصدقة والوفاء بالعهود... إلخ والمحرمات ككبائر الذنوب من الزنا وشرب الخمور والسرقة والربا والعقوق... إلخ؛ فإن هذه لا يصح فيها الاختلاف ولا يسوغ، فإن وقع فهو غير معتبر، وهو خلاف مذموم!، وكذلك الخلاف في الكتاب وإن كان المختلفان محقين- فهو منهي عنه شرعاً لما يوصل له ويؤدي إليه من الاختلاف في القرآن والسنة ومصادر الملة ومعاقد الديانة، ومثل هذا ما رواه البخاري عن النزال بن سبره عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رجلاً قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك، فعرفت في وجهه الكراهية وقال: (كلاكما محسن، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)، ولهذا قال حذيفة بن اليمان لعثمان بن عفان رضي الله عنهما (أدرك هذه الأمة لا تختلف في الكتاب كما اختلف فيه الأمم قبلهم) رواه البخاري وذلك لما رأى رضي الله عنه.
وبعد هذا ولابد أن يُعلم أن المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم، لأن صلى الله عليه وسلم قال: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم». أخرجه الصحيح.
ولأنه مبلغ عنه صلى الله عليه وسلم لما في البخاري في خطبته صلى الله عليه وسلم بمنى حيث قال في آخرها: «ألا يبلغ الشاهد منكم الغائب».
فلابد أن تكون هذه الحقيقة في قلب المفتي أولاًً ليتقي الله عز وجل، ولابد أن يقدرها قدرها، وهو موقع عن رب العالمين في إيقاع أحكامه الشرعية، ونافذ أمره بمنثور الخلافة!، ثم الأمة لابد أن تقدر ذلك وتعتبره لأمر سبحانه بطاعة أولي الأمر وهم قطعاً الأمراء والعلماء- كما في آية النساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.
فأمر سبحانه بطاعتهم، لكنه قيدها بطاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا لم يكرر الفعل معهم!.
* الفتوى أمرها عظيم وخصوصية في قواعد الشريعة وأصولها، وربما يتساهل في أمرها البعض من الناس؛ فما مخاطر تناولها من غير علم وهدى؟
- لقد تهيّب السلف الصالح والعلماء المصلحون في تاريخ المسلمين بدءاً من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم من العلماء الراسخين في العلم قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل، وخافوا الفتيا وخشوها خشية عظيمة.
كل ذلك حذراً من القول في دين الله، وعلى الله، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم ولا هدى ولا فقه ولا حجة، حيث حذر سبحانه القول عليه بلا علم وعدَّه من الكبائر قرين الشرك به. آية الأعراف: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
كما حرم سبحانه مطلق الكلام بلا علم، واتباع الإنسان ما لا يعلم لكونه مسؤولا عنه، كما في آية الإسراء: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.
والفتوى خشيها العلماء الصالحون لأنها شهادة وتوقيع عن الله بحكمه وأمره ونهيه وحلاله وحرامه وشرائعه فلأجل كونها شهادة حذرها السلف لقوله تعالى في الزخرف: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}، وفي سورة الأحزاب: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ}، والشأن في هذا كله قوله تعالى في سورة ق: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
ولهذا كان للصحابة رضوان الله عليهم في مقام الفتيا شأن عظيم في خشية وخوف عواقبه فقد روى ابن عبد البر في الجامع 2-164 بسنده إلى عبدالرحمن أبي ليلى من سادات التابعين قال: أدركت عشرين ومائة (120) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه قد كفاه الحديث، ولا مفتياً إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
لأن في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (من أفتى فتيا غير تثبت فإنما إثمه على ما أفتاه)، (من أفتى فتيا فقد ألجم بلجام من نار)، وفي الحديث ومن قال: (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار).
ولذا قال عطاء بن السائب من جلة التابعين: (أدركت أقواماً إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وإنه ليرعد رواه الخطيب الفقيه 2-166 أي خوفاً وفرقاً وخشية من الله وعواقبه.
قال ابن عينيه: أعلم الناس بالفتوى أسكنهم فيها، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيها)، قال الخطيب البغدادي معلقاً:(وقلّ من حرص على الفتوى وسابق إليها وثابر عليها إلا قل توفيق).
* هناك مقومات وأسباب لنجاح الداعية فيما يدعو إليه ليوضع له القبول عند الله وعند الناس؛ فما أهمها من واقع خبراتكم في الميدان الدعوي؟
- الداعية الناجح في دعوته منهجاً وأسلوباً وذكراً حسناًً هو الذي أيده الله بالبصيرة ووفقه للقبول وحسن السيرة، وذلك أن نجاح أي عمل يقوم على مقومات وأسباب تحقق المراد منه، ومنها:
1- الإخلاص لله فيما يدعو له، بأن قصده وإرادته فيما يدعو له ابتغاء وجه الله وكريم نواله.
2- العلم والبصيرة فيما يدعو له علماً موروثاً عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نوه الله عنه في قوله في آخر سورة يوسف: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
فلا بد من البصيرة علماً وعملاًً وحالاًً في الدعوة بما يدعو إليه، وأوليات ما يدعو إليه ومراعاة لحال المدعوين ومستواهم العلمي والديني، ومراعاة زمانهم ومكانهم.
3- أن يكون منهاجه وطريقته في الدعوة إلى الله طريقاً مأثوراً، ومنهجاً مسلوكاً من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصالح سلف المؤمنين، كما نوه الله عنه: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}.
وأن يحذر الداعية الموفق أساليب أهل البدع أو أهل الرياء والسمعة، أو الفخر والخيلاء، فإنها معوقات في الدعوة وخوارم لها، وإن انخدع بكثرة التجمهر والتخريب عليه، فليس ذا من أسباب نجاح الدعوة، فإن النبي يأتي يوم القيامة ومعه الرجل أو الرجلان أو ليس معه أحد)، كما صح في الصحيحين، ولم يقدح ذلك في أدائه مهمته، واصطفائه من ربه في دعوته.
4- أن يوائم بين الرفق واللين في مواضع، والشدة والقوة في مواضع أخرى مراعاة لحسن الحال تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وبسنته {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
5- أن بكون قدوة حسنة في نفسه ولغيره يتمثل ما يأمر به وينهى عنه ويدعو إليه في نفسه قبل غيره.
* يجهل بعض الحجاج والمعتمرين والزوار خصائص الحرم وحرمته؛ فهل كشفتم بعضاً من هذه الخصائص؟
- نعم، هناك العديد من الخصائص، ومنها:
1- أن الله جعله مثابة وأمناً {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (125-126) سورة البقرة، وقال سبحانه في سورة العنكبوت آية 67: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ }.
2- أنه بلد حرام بتحريم الله، وحرمه الله يوم خلق السموات والأرض، قال سبحانه في سورة النمل آية91: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وقال سبحانه في سورة القصص آية 57: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}. وفي الصحيحين عن ابن عباس مرفوعاً: (إن هذا البلد حرام حرمه الله، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها)، وفي حديث عياش المخزومي مرفوعاً (إن هذه الأمة لا تزال بخير ما عظموا الحرمة - الكعبة - حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا) رواه أحمد وابن ماجة بسند جيد.
3- أنه لا يجوز تنفير الصيد الآمن فكيف بتخويف الآدمي المعصوم بالإسلام.
4- أنه لا يجوز حش حشيشها وخلاها، فحرمة نبات الحرم من حرمته إلا الأذخر.
5- أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم إلا لمنشد معرفاً لها الدهر كله، وهذا من خصوصية المكان.
6- أنه لا يجوز أن يدخله إلا مسلم، وهو محرم على الكفار من اليهود والنصارى والمشركين قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}. ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج في الموسم (أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان).
7- أنه أحب البقاع إلى الله جل وعلا.
8- مضاعفة الصلاة فيه إلى مائة ألف صلاة، كذلك مضاعفة الإثم والظلم في كنفتيه.
9- حرمة الإلحاد فيه قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج. فكيف بمن قتل النفس الحرام أو همّ بالقتل، أو همّ بالظلم والبغي والفساد في الأرض.
ولفتة إلى الآباء والأمهات وأولياء الأمور ممن يزورون البيت للعمرة أن يحفظوا أبناءهم وبناتهم وأنفسهم.
10- ولن يخرب الكعبة إلا أفجر الناس لما في الصحيحين (يُخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة) (كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً) متفق عليهما من حديث أبي هريرة وابن عباس.