يُعد الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو فريضة دينية تجمع المسلمين من جميع أنحاء العالم لأداء مناسك محددة، بالإضافة إلى كونه فريضة دينية، ويمثّل موسمًا ثقافيًا فريدًا يعكس تنوع الثقافات الإسلامية وتفاعلها. كما أنه مناسبة دينية تجمع بين الروحانية والتبادل الثقافي، مما يجعله تجربة شاملة تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية.
والحج فرصة فريدة للمسلمين من مختلف الثقافات والجنسيات التي تتجمع وتتفاعل، فيعكس تجمّعها وتفاعلها تنوّعًا ثقافيًا غنيًا للعالم الإسلامي، حيث يجلب كل حاج معه جزءًا من ثقافته وتقاليده. ويمكن ملاحظة هذا التنوع في الملابس التقليدية، واللغات، والعادات الغذائية، والأنشطة الثقافية. ففي الملابس التقليدية نلحظ أن الحجاج من مختلف البلدان يرتدون ملابسهم التقليدية، مما يضفي على الحج طابعًا ثقافيًا مميزًا من قارة إفريقيا، وآسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط، ويعكس تنوّع ثقافة العالم الإسلامي في اللباس. ومن حيث اللغة نجد أن الحجاج يتحدثون بلغات متعددة، فيمكن أن تُسْمَعَ العربية، والفارسية، والأردية، والتركية، والإنجليزية، والعديد من اللغات الأخرى في أرجاء مكة والمشاعر المقدسة. وفيما يخص العادات الغذائية، فالحجاج يجلبون معهم عاداتهم الغذائية الخاصة، مما يتيح لهم تبادل الأطعمة والتعرّف على أكلات مختلفة، ويمكن مشاهدة ذلك في الأسواق والمطاعم المحيطة بالحرمين الشريفين. وفيما يتعلق بالأنشطة الثقافية فخلال موسم الحج تُقام العديد من الأنشطة الثقافية، مثل: البرامج الدينية، والندوات الثقافية، والمعارض الفنية، وتتيح هذه الأنشطة للحجاج فرصة للتعلّم والتفاعل مع ثقافات الآخرين.
إنّ الحج فرصة فريدة للتبادل الثقافي بين المسلمين من مختلف البلدان، فالحاج يتعرَّف على تقاليد وعادات جديدة، ويتبادل الأفكار والخبرات من جنسيات متعددة، وهذا الأمر يعزِّز التبادل الثقافي والتفاهم والتعايش بين المسلمين، ويعكس الوحدة الإسلامية على الرغم من اختلاف ثقافاتهم.
ومملكتنا العربية السعودية تولي أهمية كبيرة لتعزيز الجانب الثقافي للحج، وجهودها تشمل ما يلي:
1. تنظيم الأنشطة الثقافية: حيث إنها تنظم فعالياتٍ ثقافية متنوعة خلال موسم الحج؛ لتعزيز التبادل الثقافي بين الحجاج، ومن ضمنها ندوة الحج الكبرى التي تُقام في جدة لمدة ثلاثة أيام بحضور عدد من العلماء، ومن أهدافها إبراز الدور الحضاري والثقافي.
2. توفير الترجمة: إذ تقوم بتوفير خدمات الترجمة بلغات متعددة؛ لتسهيل التواصل بين الحجاج من مختلف الجنسيات.
3. التوعية الثقافية: فهي تقدم برامج توعوية ومبادرات؛ لتعريف الحجاج بالثقافات المختلفة، وتعزيز التفاهم والتعايش، ومن تلك المبادرات مبادرة «رافد الحرمين» التي تهدف إلى تزويد العاملين في القطاعات بأهم المهارات اللازمة لخدمة الحجاج والمعتمرين بكفاءة واحترافية عالية، ومعرض عمارة المسجد النبوي الذي يهتم بإبراز الجوانب المعمارية، وتسليط الضوء على خصوصيته ومكانته، وفضل عمارته، وإثراء تجربة الزائر فنيًا وثقافيًا من خلال عرض واسع عن عمارة المسجد النبوي.
4. التعاون الدولي: فمن ضمن جهود حكومتنا الرشيدة -حفظها الله- التعاون مع الدول الإسلامية لتنظيم فعاليات ثقافية مشتركة خلال موسم الحج.
الحج موسم ثقافي فريد يعكس تنوع العالم الإسلامي وتفاعله، ويجمع بين الروحانية والتبادل الثقافي. ونستطيع أن نقول إنه تجربة شاملة تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، وبفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ قد أصبح الحج فرصة لتعزيز التفاهم والتعايش بين المسلمين من مختلف الثقافات.
** **
- علي بن سليمان الدريهم