إذا كنت من سكان الضواحي: فتصور أنك قد استيقظت في الصباح ونظرت من النافذة، وبدلاً من أن ترى الأشجار والأزهار، رأيت منازل عديدة متلاصقة، وأن الحدائق والساحات قد اختفت وحلت مباني محلها. كل شيء حولك قد ازدحم حتى لكأنك تستطيع أن تمد يدك من الشباك فتلمس منزل جارك.
أما إذا كنت من سكان وسط المدينة، فتصور أن الشارع الذي تطل عليه نافذتك قد زاد ازدحامه بالسيارات والمركبات عما كان عليه، وأن المرور لا يكاد يتحرك، وغازات عادم السيارات والمركبات تكاد تدمع عينيك. وأن عدد سكان مدينتك قد زاد حتى اختفت المنتزهات وأقيمت محلها عمارات ترتفع إلى ثلاثين طابقاً أو تزيد.
من الطبيعي أنك لا تتمنى مثل هذه الحالة..! انها سوف تحرمك من الراحة ومن السعادة. ولكنك قد تظن أن هذا لا يمكن أن يحدث، وأن مثل هذا العالم لا يمكن أن يوجد. ولكن الواقع غير ذلك، فمن الممكن أن يوجد. قد يحتاج الأمر إلى عدد من السنين حتى يصل العالم إلى مثل هذه الدرجة من الازدحام، ولكن الواقع أن البداية قد حدثت فعلاً.
هناك مدن عديدة في كل أنحاء العالم لا يجد الناس فيها المكان الكافي للمعيشة المريحة. حيث تعيش أسر عديدة في أكواخ صغيرة بنيت على ممرات خشبية تمتد بعيداً فوق المياه، لأن جميع المساحات فوق الأرض المخصصة للمساكن قد شغلت. وحيث يعيش عديد من البشر على الأرصفة المزدحمة لأنهم لا يملكون مساكن.
وهكذا نرى أن كثرة من الناس يعيشون فعلاً في ظروف شديدة الازدحام.
إن تعداد سكان العالم أشبه ما يكون بحبوب ذرة وضعت في وعاء الفشار. فهل سبق لك أن وضعت قليلاً من الذرة في وعاء صنع الفشار ثم لاحظت ما يحدث له؟ أن الوعاء يمتلئ في وقت قصير، بسرعة لا تكاد تتابعها، ويكاد ينفجر.
إن حجم الذرة يزداد كثيراً، فهو في أول الأمر يغطي قاع الإناء فقط ويحتل جزءاً صغيراً من حجمه، ولكن الإناء سرعان ما يمتلئ حتى حافته. إن تعداد السكان يتزايد. وكما هي الحال بالنسبة لوعاء صنع الفشار، فإن عالمنا لا يستطيع أن يتمدد، وسيبقى حجمه كما هو، ولن يستطيع أن يستوعب سكاناً ينمو عددهم ويزدادون يوماً بعد يوم.
تقول ليليان فرانكل في كتابها (هذا العالم المزدحم): إن أكثر من ثلاثة بلايين ونصف بليون من البشر – هذا في السبعينات من القرن الماضي زمن تاريخ نشر كتابها 1972 – أما الآن فقد تجاوز العدد ستة بلايين من البشر – إن هؤلاء يعيشون اليوم على سطح الأرض، ومن العسير على المرء أن يتصور ضخامة هذا الرقم. فلو وقف هذا العدد من الناس في صف، كل منهم خلف الآخر، لأحاط هذا الصف بالأرض عند خط الاستواء ستين مرة. ولو ارتفع هذا الصف في الفضاء لوصل القمر جيئة وذهاباً أربع مرات!
تذكر أن هذه البلايين من البشر عدد كبير! ولكن عدد الناس الذين يعيشون على سطح الأرض يمكن أن يتضاعف في عدة أعوام فيصل نحو سبعة بلايين. وهذا النمو السريع سوف يسبب الازدحام الشديد.
إن وجود كثير من البشر معناه وجود قليل من الطعام. وحتى في هذه الأيام، يأوي نصف سكان هذا العالم إلى فرشهم وهم جوعى... فهل تعلم أن ملايين من البشر في كثير من الدول يموتون من الجوع في كل أسبوع؟
وحتى في الدول الأكثر غنى، حيث يتوافر ما يكفي الجميع، نجد أن بعض الناس لا يحصلون على الأنواع المناسبة من الطعام، وأن ملايين البشر لا يجدون مساكن مريحة- وأن كثيراً من الناس يقاسون من برد الشتاء، وأن عدداً كبيراً من الأطفال لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة لأنهم لا يملكون ملابس تدفئ أجسادهم. إن بعض الناس يمتلكون الكثير ولكن غيرهم لا يمتلكون إلا أقل القليل.
ثم إن وجود كثير من الناس يعني أن المياه النقية سوف تصبح نادرة وشحيحة في مناطق متعددة. إن العدد المتزايد من السكان يحتاج إلى ماء أكثر مما هو متاح لنا.
إننا نسرف في استخدام المياه بأن نستعمل منها أكثر مما نحتاج إليه، ولا نحافظ على نظافة ما لدينا منها. فهل يمكن أن نفكر في طرق نحافظ بها على المياه النقية العذبة؟
ثم إن وجود كثير من الناس يعني قلة الأراضي. فإذا زاد عدد الناس فسوف يحتاجون إلى عدد أكثر من المساكن، وسوف نضطر إلى قطع الغابات لنقيم محلها المباني، وسوف يكون علينا أن نستخدم الأرض التي تنمو عليها المحصولات الزراعية لإقامة المساكن والمتاجر.
هذه أهم المشكلات الناتجة عن وجود أناس أكثر من العدد اللازم. هكذا يزعم عدد من المفكرين الغربيين وعدد من علماء الاقتصاد وعلماء البيئة. حيث يقولون إن تعداد سكان العالم ينمو وينمو باستمرار وبمعدل يتزايد بسرعة على الدوام.
كما يزعمون أنه في كل عام، وبسبب النمو السريع في عدد السكان يزداد عدد الجائعين، ويزداد عدد من يشبون بدون أن يتعلموا كيف يقرأون وكيف يكتبون. وعندما تقع هذه المآسي، تعم أضرارها الجنس البشري بأكمله.
وهكذا خلصوا إلى القول إن تضخم السكان يعتبر سبباً من أسباب الجوع والفاقة، كما أنه يعتبر عاملاً مساعداً على تدهور البيئة. وإذا كان العلم لم يعد وحده قادراً على تحقيق التوازن بين عدد البشر ومصادر الحياة، فإن واجب البشر مجتمعين أن يجدوا وسائل جديدة للتفكير في حل هذا الأزمة.
إن الأرض سفينة فضاء مدهشة، ونحن عليها مثل رواد الفضاء. ولقد ظلت سفينتنا تدور حول الشمس لبلايين من السنين، وتعرض سطحها لتغيرات كثيرة.
إن استعمار الفضاء ليس حلاً على الإطلاق لمشكلة سكان الأرض، وعلينا أن نجد حلا لهذه المشكلة هنا على كوكبنا الذي يزداد ازدحاماً. إن بعض العلماء وغيرهم من الناس يحاولون تقديم العون لحل هذه المشكلة التي نواجهها جميعاً والتي تستحوذ على تفكيرهم.