الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تشير الدراسات والأبحاث العلمية إلى أن الأطفال الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشات قد يواجهون مشكلات صحية متعددة، واضطرابات سلوكية غير طبيعية في مرحلة الطفولة.
ووجدت الدراسات تأثيراً للتعرض بشكل كبير لشاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي على التركيز والتطور العقلي لدى الأطفال.
الخبراء التربويون والأطباء وذوو الاختصاص يحذرون من الاستخدام المفرط للشاشات من قبل الأطفال، مما يحتم البحث عن السبل الكفيلة لحمايتهم.
«الجزيرة» التقت عددا من المختصين في العلوم التربوية والطبية.. فماذا قالوا؟
قوة التأثير
يقول الأستاذ عايض بن محمد العصيمي الأكاديمي التربوي: من خلال عملي في ميدان التربية والتعليم لأكثر من ربع قرن وتنقلي فيه حتى وقتنا الحاضر مروراً بآلاف الطلاب تبين واتضح لي ولمن هو في الميدان: تغير الجيل الجديد من أبنائنا الطلاب وقوة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات الجوال والألعاب عليهم من خلال ما يلي:
أولاً: ضعف التحصيل الدراسي إذ إن دفعات السنوات الماضية أكثر اهتماماً وأميز دراسةً.
ثانياً: يمتاز طلاب السنوات الماضية أنهم أقوى همةً بعكس أغلب الجيل التالي أقل همةً وطموحاً وتخطيطاً للهدف.
ثالثاً: الجيل السابق يمتاز بالحرص والتنظيم بعكس أغلب الجيل الحالي الذي يعيش فوضى وبعثرة في حياته، ويعيش كيف ما اتفق!
رابعاً: انشغال الجيل الجديد بوسائل التواصل الاجتماعي والجوالات والتعلق بشاشات الألعاب بزيادة مما أدى لضعف الهوية والشخصية عند الطالب.
خامساً: استقطاب الجيل الحاضر والنشء معلوماته وثقافته من وسائل التواصل الاجتماعية وأخذ المعلومات والثقافات من المشاهير وقد يأخذ منهم الغث والسمين بعكس الجيل السابق الذي كان يستنبط المعلومة ويأخذها من أصلها بعد استقراء وبحث وعناء علمي بالقراءة والاطلاع وغيره.
سادساً: أصبح الجيل الحالي مقارنة بالجيل السابق أكثر تعلقا بغير المفيد ومن ضمنها تعلقه بجواله الذي لا يستطيع أن يتركه دقائق معدودة مما سبب له الضعف الدراسي وضعف في القراءة وسوء في الكتابة وأشد منها ضعف في التخاطب والتواصل حتى مع الآخرين.
ويضيف العصيمي: كم يأتيني من الطلاب في أعمار السادسة والسابعة والثامنة عشر (ناهيك عن الصغار في المرحلة الابتدائية والمتوسطة) ولا يعرف أن ولا كيف يتحدث، ولا ماذا يقول! وماذا يريد!
بل إن الواحد منهم لا يستطيع أن يتحدث معك دقائق، وليس لديه قوة تركيز!
تنصحه وتوجهه وكانّه لا يسمعك، ثم تعيد عليه ويهز رأسه وكأنه لا يسمع ولا يفهم!
ليس الكل، هناك شريحة طيبة مميزة متوقفة ناجحة رائعة، لا أعمم بالظاهرة على الكل؛ إذ إن لغة التعميم لغة الجهلاء أنا أتحدث عن السواد الأعظم للأسف!
حتى أن بعض المواقف التربوية تستحق منا أحياناً تدخل ولي الأمر، حفاظاً على الطالب، ونظراً للأمانة التي وكلنا بها (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وسعي لحل ما لديه من مشكلة، فنجد أن الأب يشتكي من ذات المشكلة التي نعاني منها، وأن ابنه غير مركز في الحياة، وكأنه مغيب ذهنياً، لديه تشتتات ذهنية، ليس أبا واحدًا، أو طالباً واحد، بل مئات وآلاف الطلاب والسبب قوة التعلق بشاشات الجوال والتواصل الاجتماعي أعطى أبناءنا تشتتاً في التركيز وانعزالاً عن المجتمع مما أضعف شخصيتهم ولغة تخاطبهم مع المجتمع بتنوع أطيافه.
الاتصال الفعال
ويشدد العصيمي في حديثه قائلاً: في نظري أن كل ما سبق يحتاج إلى تدخل تربوي؛ بدراسة تلك الحالات المنتشرة لأبنائنا، وإشغالهم بالمفيد في المجتمع من خلال تفعيلهم في دورهم الحقيقي في المجتمع: من حضور المجالس والمناسبات الاجتماعية، وتوجيههم، وتعلقهم بالقراءة ووضع المسابقات والجوائز عليها وعلى المناشط المفيدة لهم العائدة بالنفع وصقل شخصيتهم، وهويتهم السليمة، وتوجيههم للمستقبل من خلال رسم طموحاتهم، وماذا يريدون، وأين الطريق الصحيح؟!، (وكيف تختار تخصصك الجامعي؟!)، ورسم الخطط والتوجيهات لهم، ومشاركتهم في العمل التطوعي، وكيف يسهم في بناء مجتمعه؟!
وهذا ما دعت إليه وزارة التعليم مشكورة من خلال إلزام طلاب الثانوية في إتمام 20 ساعة عمل تطوعي للحصول على شهادة الثانويةً العامة.
وأخيراً أقترح من خلال عملي مع الطلاب أن تضع الوزارة مشكورة منهجاً خاصاً في لغة التخاطب (الاتصال الفعال) حتى يعرف أن يحاور بكل ثقة وشخصية.
نصائح للآباء
ويقدم الدكتور يمين كرامة، استشاري طب الأطفال بالرياض، بعض النصائح للآباء التي يمكن أن تساعدهم في تعليم أولادهم الاستخدام الجيد للشاشات، وذلك وفق التالي:
- تحديد وقت التعرض للشاشات: لا يمكن فرض وقت محدد بشكل سلطوي وأحادي الجانب، بل يجب إشراك الطفل في عملية التنظيم الذاتي ليصبح مستقلاً ونقلل من خطر فقدان السيطرة عند سن البلوغ، ويقترح على الآباء تشجيع أطفالهم، بدءًا من سن 9 سنوات، على تدوين الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات في دفتر صغير، وميزة ذلك هو أن الطفل يصبح واعيًا بالوقت الحقيقي الذي يقضيه أمام الشاشات، لأن هذا الوقت غالباً ما يتم التقليل من شأنه.
- الاهتمام بما يقوم به أطفالنا من خلال التحدث معهم ومرافقتهم في اكتشافاتهم. يتضمن ذلك الحديث معهم عما يكتشفونه عبر الشاشات لمساعدتهم على تطوير ذكائهم، ولكن يتضمن أيضًا مرافقتهم في اختيار البرامج والألعاب، والخطر الأكبر هو ترك الطفل وحيداً أمام الشاشات.
- استخدام الشاشات لتطوير إبداعهم من خلال توجيه الأطفال نحو الأنشطة الإبداعية (تعلم الرسم، التصوير الفوتوغرافي...).
- إعطاء المثال الجيد بفرض الانضباط الذاتي على النفس: كيف يمكن شرح ضرورة التنظيم الذاتي للأطفال إذا كان الأهل أنفسهم عالقين باستمرار على هواتفهم أو أجهزتهم اللوحية؟ وفقًا لدراسة أجريت في يونيو 2019 تفيد أنه 69 % من الآباء يعتقدون أنهم يقدمون مثالاً جيدًا لأطفالهم في مسألة الشاشات، فإن الواقع مختلف حيث 20 % من الآباء يشاهدون الشاشات أثناء تناول وجباتهم و22 % يتفقدون هواتفهم كل 10 دقائق!
لذا على الآباء والأمهات أخذ تدابير للانفصال عن الشاشات مساءً في المنزل أو على طاولة الأكل، من أجل سلامتكم وسلامة أطفالكم! نعلم أن تطور الطفل يعتمد على قدراته على التقليد والانتباه للآخرين، وإذا كان الوالدان مشغولين بهواتفهم، سيميل الطفل إلى الاهتمام بها أيضًا. بالمثل، فإن التلاعب بالهاتف أثناء رعاية الطفل يساهم في تقليل التفاعل معه.
أخيرًا، من الضروري وضع إطار وتحديد حدود مناسبة لكل فترة من العمر، ويجب أن يتم إدخال الشاشات في حياة الأطفال بشكل تدريجي مع مراعاة احتياجات كل عمر. مثلاً كقاعدة «3-6-9-12» المتعامل بها التي أصبحت مرجعًا في تعليم الشاشات.
- قبل سن 3 سنوات: تجنب التلفاز والشاشات غير التفاعلية لأنها تعزز السلبية لدى الأطفال الصغار وتبعدهم عن ما يحتاجونه أساسًا في هذا العمر: التفاعل مع البيئة باستخدام حواسهم (اللمس، الرؤية، السمع، الحركة، ...).
- بدءًا من 3 سنوات: يمكن إدخال التلفاز لكن باعتدال. يجب ألا يتم وضعه في غرفة الطفل، ويجب اختيار البرامج مع الأطفال(مع مراعاة الأعمار الموصى بها للبرامج) وتحديد مدة التعرض مسبقًا.
- بين 3 و6 سنوات: لا تقدم لطفلك وحدة ألعاب شخصية. تجنب وضع جهاز كمبيوتر أو تلفاز في غرفة الطفل. حدد وقت الشاشة بوضع قواعد واضحة بشأن الأوقات التي يمكن استخدامها ومدة الاستخدام. فضل اللعب الجماعي أو العائلي على ترك الطفل وحده أمام الشاشة، لتجنب تحول سلوكه إلى إدمان ولجوئه إلى الشاشات للهرب من الواقع.
- بين 6 و9 سنوات: حدد وقت الشاشة المسموح واترك للطفل حرية توزيعه كما يشاء، وتأكد من استمراره في تخصيص وقت لأنشطة خارج الشاشات. ابدأ بالحديث معه عن مفهوم الحق في الصورة وحق الخصوصية.
- بدءًا من 9 سنوات: عرف طفلك على الإنترنت.
رافقه في هذا الاكتشاف واشرح له مخاطر الإنترنت، مع التأكيد على أن كل ما يوضع على الشبكة يمكن أن يصبح عامًا، ولا يمكن حذفه وليس كل ما هو على الإنترنت بالضرورة صحيحًا.
استمر في تحديد مدة مسموحة واترك الطفل يوزعها كما يشاء بين الشاشات المختلفة.
أعلمه بالسن الذي يمكنه فيه امتلاك هاتف محمول خاص به.
- بعد سن 12 عامًا: يمكن السماح للطفل بتصفح الإنترنت بمفرده بشرط أن يكون قد فهم المخاطر المرتبطة بذلك وأن تحدد إطارًا: حدد معًا أوقات الاتصال المسموح بها (تجنب الاتصالات الليلية وغير المحدودة من غرفته)، واعلمه بمخاطر المواد الإباحية والتحرش، وتحدث معه عن ما يسمح به القانون فيما يتعلق بالتنزيل، وعلمه احترام التصنيف العمري للألعاب.
«يمكن التفكير في نظام مبتكر للشاشات، لتعلم استخدامها بشكل صحيح، تمامًا كما نتعلم التغذية الجيدة».
ويختتم استشاري الأطفال حديثه، قائلاً: لو التزمنا كأمهات وآباء أو كمسؤولين عن الأطفال بالنصائح والطرق الناجعة على تعليم الاستخدام الجيد للشاشات سوف نقي أولادنا وبناتنا من الآفات السلوكية والاجتماعية التي بدأت تفتك بجيل المستقبل جراء الاستعمال الغير صحيح للتكنولوجيا.
منعطفات هشة
وتقول الأستاذة شوقية بنت محمد الأنصاري الخبيرة التربوية: لقد شكّلت مظاهر الترف الأسرية منعطفات هشّة في الممارسات الحياتية، وانعكست آثارها على الطفولة بنشأة مترفة بكل مظاهرها، ويأتي في مقدمتها منح الطفل الأجهزة الالكترونية، فيعيش معها الشتات والإدمان، ليعيش جل وقته أمام الشاشات الرقمية لحلّ الواجبات أو متابعة الأنشطة، والرياضة أو مسابقات البلايستيشن بمغامراتها، وحجة الأسرة أن ذلك مظهرا من مظاهر رفاهية أبنائها، والأثر للأسف تشكل في عزلة للطفل، أو انغماسه في ضجيج توافه القول والتنمر، لينتقل لمشكلة صحية أخرى ألا وهي ضعف النظر.
وقد أكدت التقارير التعليمية أثناء ملاحظة الأطفال بداية التحاقهم بالمدرسة تزايد ظاهرة الضعف لتبدأ معاناتهم مع النظارات الطبية، فتبدأ شكوى الطفل من عدم قدرته على قراءة (السبورة) وتزداد المشكلة بتجاهل الأسرة لدورهم في حل أزمة النظر، مما يؤثر على ضعف تحصيل طفلهم المعرفي، وضعف إتقانه لمهارات القراءة والكتابة. الجدير بالذكر أن وزارة الصحة في شراكتها مع التعليم حرصت على نشر التثقيف لولي الأمر والمعلم، للتنبيه على خطورة التقنية وأضرار إدمان الجلوس أمام شاشاتها على حواس السمع والبصر والنطق.
ومن منظور تربوي يمكن التعامل مع المشكلة بالتدرج في منع استخدام الأجهزة فترة العلاج، باللعب مع الطفل مباشرة، ليجد في التشارك صوتا حانيا من والديه فيتقبل منهم التهذيب والتعليم مما يحسّن حالته الصحية والنفسية أيضا، بالإضافة إلى الحوار الهادئ معه ليدرك خطر الإشعاعات المنبثقة من الشاشات الرقمية على بصره، وبالتالي تتكون لديه مهارات الوعي للحفاظ على صحته مع تطوّر رحلته العمرية.
نظام تحكم
وتؤكد الأستاذة سارة بنت سعدي سعيد السلمي، المربية التربوية، طالبة الدكتوراه الفلسفة التربوية «أصول التربية» أن الطفولة تتعرض اليوم إلى خطر الاستخدام المفرط للشاشات، وهنا لابد من وجود رقابة من قبل الأهل على أطفالهم، لكن بدون أن يشعر الطفل بأنه مراقب طوال الوقت حتى لا تتأثر علاقته بوالديه مما يسبب له الضرر النفسي، والأفضل أن يكون هناك مكان في المنزل مخصص للجلوس مع الأطفال لمشاهدة الأجهزة مما يسهل مراقبة الطفل ومتابعة الساعات المحددة له خلال استخدامه الشاشة، بالإضافة إلى ضبط الشاشات بحيث تحتاج إلى إدخال كلمة السر في كل استخدام، مما يضبط عملية الدخول للطفل والتزامه بالمواعيد المحددة له، حيث لابد من الاتفاق المسبق مع الطفل على أوقات محددة لاستخدام الإنترنت والتعامل بحزم بحيث يلتزم الطفل بهذه الأوقات وعدم التساهل من قبل الأهل في ذلك، مما يجنب الطفل الإدمان المبكر على الأجهزة، إضافة إلى أن هناك تطبيقات ينصح باستخدامها تحتوي على مؤقتات تسمح للأطفال بتحديد مدة استخدام الطفل للأجهزة، ويمكن للأهل تغيير هذه القواعد والأوقات بناء على تقدم عمر الطفل، نضج الطفل المعرفي، وعي الطفل، حاجة الطفل التعليمية.. إلخ،
ولضمان قضاء وقت جيد في مشاهدة الأطفال للشاشات ينصح بمناقشة الطفل حول ما تتم مشاهدته وتثقيفية وتوعيته حول ما يشاهده، بالإضافة إلى سؤاله بانتظام عن البرامج والألعاب والتطبيقات التي يستخدمها، مع ضرورة استخدام نظام تحكم الوالدين لحجب محتوى الانترنت، والبحث عن خيارات تفاعلية لإشراك الطفل بها بدلاً من التي تتطلب النظر المتواصل للشاشة.