الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
عندما تطلق كلمة «مدمنأو «إدمان» يتبادر إلى الذهن المخدرات أو الكحول، على الرغم من وجود حالات إدمان يقوم بها الإنسان جراء سلوكيات وتصرفات معينة، منها عدم القدرة على عمل أنشطة معينة، أو تناول الطعام، أو إدمان العلاقات والارتباط بالأشخاص، وربما إدمان اللعب بمختلف أشكاله وألوانه، وكذلك إدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك.
«الجزيرة» التقت عدداً من المختصين في مختلف العلوم والمعارف لمعرفة الأسباب الرئيسية وراء القيام بمثل هذه الممارسات، والعلاج الأمثل لتجنب إدمان التصرفات والسلوكيات المشينة؛ فماذا قالوا؟
إدمان وسائل التواصل
يرى الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري أستاذ العقيدة بجامعة القصيم أن الإدمان في آخر مراحله اضطراب عقلي نفسي، ورغبة جامحة في تعاطي مألوفات زادت الجرعة منها والحرقة والشوق إليها، وعدم القدرة على التوقف عنها، والإدمان اشتهر كمصطلح يخص المخدرات، لكنه انتقل بحكم تعاطي هذه الأجهزة إلى إدمان مشاهدة الصور المحرمة والمقاطع الإباحية، ويجالس التافهين: أغانٍ، مغامرات، ترفيه عابث، وقد تجاوزت عدوى الإدمان الأطفال والمراهقين إلى الكبار من الجنسين.
ويبيّن د. صالح التويجري أضرارها- عقلي، صحي، نفسي، سلوكي، كما أنها افتقدت الثقة بالحقيقة والواقع، وقدمت التمثيل والافتراضي، وانتشرت عدوى التقليد المؤذي، وظهر القلق والاكتئاب والتوتر والانعزال عن الأسرة والعمل والمجتمع، والإخفاق الدراسي، والتفكك الأسري.
الأسباب
ويشير الدكتور التويجري إلى الأسباب حيث انتشار الجهل الحقيقي وتدني مستوى الوعي الأسري بالمسؤولية، والفقر، والفراغ، والبطالة، والثراء الفاحش، وضعف الوازع الديني، وضعف الرقابة الأسرية، والإشادة بالتافهين، وتصدير الفارغين على المشهد، والاحتفاء بالفن الهابط والترفيه العابث، والجهل بقيمة الوقت والحياة، مشيراً إلى أن العلاج يكمن في تكيف الموضوعات الشرعية حول المسؤولية الفردية والاجتماعية عن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعلاج النفسي الصحي للمدمن، توافق وتوطؤ المؤسسات الحكومية والأهلية والأسرة على مواجهة الحقيقة ورسم الحلول ومباشرتها كل حين، وتخفيف متابعة الوسائل، وإيجاد البدائل، وتحفيز المتعافي، ودمج الأولاد والمبتلى بوسط صحي، أو عمل إيجابي، وتغير البيئة والصحبة، وإحداث مناشط بديلة رياضية ترفيه هادف - مهنة تستشعر من الوقت، وإعادة مفهوم الأسرة والمسؤولية حيث تتخلى المرأة من مسؤوليتها وعن أطفالها، وتسلمهم الخادمة أو الأجهزة والألعاب الإلكترونية يرسخ هذا عندهم الصور والألباب والهامشية ويشوش الأذهان، وحذف أو حجب المواقع المؤذية، مع جدولة الوقت وتنظيم فتح الأجهزة، وملء وقت الأسرة بتواجد أبوي مثرٍ وحوار هادف آمن، ونشر ثقافة المكتبة والقراءة والمشاهدة الجماعية في شاشة كبيرة في البيت يستوي فيها الكل، ولا نغفل عن الدعاء، الدعاء، الدعاء.
ضبط الاعتياد
وتقول الدكتورة هيفاء بنت عثمان فدا رئيس مجلس إدارة جمعية يسر للتنمية الأسرية بمكة المكرمة إن الإدمان نوع من الإمكان في غير أوانه والمكان ينشأ من الاعتياد؛ ليصبح عادة ملازمة، وضبط الاعتياد وتقويمه هو قطع الطريق الأوّل حتى لا يتدحرج؛ ليصبح عادة تصعب السيطرة عليها، وعلى ما يترتب عليها من آثار سيئة عميقة على نفسيّة المدمن وأسرته ومحيطه.
وتبيّن د. هيفاء فدا بعض الأسباب حول ذلك، ومنها:
* الفراغ، فما أخلي مُليء.
* الصراع بين الامتناع والانقياد.
* التقليد والمحاكاة.
* شراك الرغبة.
* البحث عن الاختلاف.
* الانحراف عن المواجهة.
* الرّغبة في التّجربة.
وأضافت د. هيفاء بعض التوجيهات، ومنها:
* ثق أن أعمالك مراقبة ومحاسبة من الرقيب الحسيب.
* فاعل الخير خير من حسن فعله، وفاعل الشرّ أشرّ من سوء عمله.
* الشّهوات تهلك الحول، وتمنعك الطّول، وتحرمك النّول.
* البراءة عفّة من شيء، وطهر من شيء آخر.
* حافظ على كونك بريئاً طاهراً، مشيرة إلى أن كانت هذه بعض الوصفات الخُلقيّة.
وهي بحاجة لِطَيف من العلاج السّلوكيّ والنّفسيّ والعضويّ؛ ليعود المدمن شخصاً سويّاً كما كان قيّم الخلق قويم الخِلقة.
إدمان بدون مخدرات
ويقول الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بالرياض: من المعروف أن مصطلح الإدمان يرتبط دائماً بتعاطي المخدرات أو تلك المواد غير المسموح باستخدامها قانونياً لأنها تؤثر سلبياً على الحالة العقلية والوجدانية للشخص وتجعله أسيراً لها مثل: مادة الأفيون ومشتقاتها والهيروين والحشيش والخمور والحبوب المخدرة أو المنشطة وما إلى ذلك، وبمرور الوقت يعتمد الشخص على أي من هذه المواد اعتماداً كلياً يتجاوز مرحلة التعود وفي النهاية يصبح الشخص مدمناً عليها ولا يستطيع التوقف عن تكرار تعاطيها لتأثيرها الشديد على الجسم والعقل والوجدان، كما أن التوقف المفاجئ عنها يؤدي لحدوث أعراض انسحابية حادة خطيرة لدى الشخص ولا تزول هذه الأعراض إلا بتعاطي هذه المادة المخدرة مرة أخرى، وبذلك يصبح الشخص المدمن أسيراً لهذه المادة ويضطر لاستخدامها باستمرار، وقد لا يعلم الكثير من الناس أن هناك أموراً أخرى غير استخدام هذه المواد الكيميائية قد تؤثر على الحالة العقلية والعاطفية وتؤدي أيضاً لما يشبه الإدمان عليها منها مثلاً إدمان لعب القمار والمراهنات وإدمان الألعاب الإلكترونية كالبلايستيشن وإدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل: الفيس والواتس أب والانستجرام وتويتر وغيرهم والذي يستنزف الكثير من الوقت لدى الكثير من الناس أو إدمان مشاهدة أفلام العنف أو البورنو وما إلى ذلك من إدمان أمور ليست مواد مخدرة.
خطورة كبيرة
ويضيف الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي: إن مثل هذه الأنواع من الإدمان قد لا ينتبه إليها كثير من الأهل ولا يعيروها كثيراً من الاهتمام حيث يبدو ظاهرياً أن الاستمرارية عليها ليست لها قيمة كبيرة عند الكثير من الناس مقارنة بتعاطي الأنواع الأخرى من المخدرات ولكنها في حقيقة الأمر لا تقل في خطورتها عن تعاطي المواد المخدرة بل وتعتبر في غاية الخطورة عنها لأنها تأسر الشخص في دوامة من الإدمان الصعب وتضيّع عليه الكثير من الوقت ولا يستطيع مواصلة عملية الدراسة بنجاح مع إصابة الشخص بحالة انعزالية وانطوائية علاوة على ضياع الكثير من المال أيضاً من خلال عملية ابتزاز خادعة، والإدمان على مثل هذه الأمور ربما تكمن وراءه أمراض نفسية منها اندفاعات الوسواس القهري أو أحد الاضطرابات الوجدانية الانفعالية التي يصاحبها حالات تقلب مزاجي أو بعض اضطرابات الشخصية وكلها قد تتداخل مع بعضها وتؤدي إلى حالة من القلق النفسي والتوتر الدائم مع إصابة الشخص بالاكتئاب وصعوبة في التوقف عن ممارسة هذه الأفعال تماماً مثل الإدمان علي المواد المخدرة.
عملية التخلص
ويبين د. عزت عبدالعظيم عملية التخلص من هذه النوعية من حالات الإدمان وعلاجها يحتاج لتكاتف كبير وتعاون تام بين الأهل والمجتمع وخصوصاً من جانب الأطباء النفسيين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس لمساعدة الشخص المدمن على هذه النوعية من الأفعال وللوقوف على أسباب هذه المشكلة ومحاولة علاجها مع عمل نوع من التوعية للناس والتنبيه على خطورتها الشديدة على الاستقرار النفسي والاجتماعي لأي مجتمع وخصوصاً لدى الشباب بالذات الذي قد يدمر هذا النوع من الإدمان الكثير منهم دراسياً، كما أن الوقاية والعلاج المبكر من الإدمان على المخدرات التقليدية أو الإدمان على مثل هذه الأشياء أمر مهم جداً من خلال برامج التوعية الهادفة واكتشاف الأهل مبكراً لهذه النوعيات من الإدمان واللجوء للمساعدة النفسية لفهم دوافع وعوامل إدمان هذه الأمور مع الوصول للتشخيص الصحيح للاضطراب النفسي الذي أدى لهذه الحالة الادمانية وبالتالي يمكن وضع البرنامج العلاجي المناسب لكل حالة حتى يتم التخلص من مثل هذه المشاكل النفسية والسلوكية سواء كان العلاج دوائياً أو سلوكياً ليصبح الشخص بعد ذلك سوياً بإذن الله.