كيف تستعد أرامكو السعودية لتستمر مزودًا للطاقة في المستقبل؟
مرّت أسواق الطاقة العالمية بفترة مليئة بالتحديات، تسودها الاضطرابات الجيوسياسية، وارتفاع أسعار الفائدة، وتكاليف المواد، والضغوطات المستمرة للتقليل من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ومع ذلك، ظلّ الطلب على الطاقة في تزايدٍ مستمر.
ومع طفرة التقنيات المتقدمة، ومصادر الطاقة البديلة، يمرّ قطاع الطاقة بمرحلة تاريخية مفصلية، قد يترتب على أي قرار بشأنها اليوم آثار دائمة، ليس على أعمالنا فحسب، بل وعلى المجتمعات ككل.
بالنسبة لأرامكو السعودية، فإن الأولويات واضحة؛ فحينما لا يتوقف العالم عن طلب المزيد من الإمدادات الموثوقة من النفط والغاز، فإننا نعتزم توفير هذه الإمدادات لعملائنا. وعندما يكون التخفيف من حدة تغيرات المناخ أمرًا ضروريًا، فإننا نعمل على طموح الشركة المتمثل في الوصول إلى الحياد الصفري للنطاقين (1 و2) والحدّ من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري في مرافق أعمالها التي تملكها وتديرها بالكامل بحلول العام 2050.
كما ستكون هناك حاجة مُلحة للابتكار والتكيّف لمواجهة التغيرات التقنية المتسارعة. وجميعنا يعي أن تحقيق هذه الأهداف ليس بالمهمة السهلة، إذ يتطلب الرغبة في الاستثمار، والقدرة على تبنّي التغيير، والانفتاح على الفرص الجديدة، وبناء الكوادر المهنية الرفيعة لمواجهة هذا التحديات.
التقنية هي الأساس
في الوقت الذي نتطلع إلى إعادة تطوير قطاعنا، تؤدي التقنية على وجه الخصوص دورًا حاسمًا في هذا التحوّل، حيث تُمكّن التقنيات الحديثة أفراد المجتمع من تغيير الطريقة التي ينجزون بها أعمالهم في القطاعات الصناعية الرئيسة في مختلف أنحاء العالم. وفي الواقع، فإن التقنية تمثّل حجر الزاوية بالنسبة لأعمال التنقيب والإنتاج الرئيسة للنفط والغاز، فهي تعمل - من ناحية - على تحسين أعمالنا التقليدية، ومن ناحية أخرى، تساعد على اتخاذ القرارات المهمة بشأن مجالات التركيز الناشئة.
ويجسّد أقدم معاملنا لمعالجة النفط في بقيق أفضل مثال يمكن أن نقدمه في هذا الصدد، إذ يبلغ عُمر هذا المعمل اليوم أكثر من 80 عامًا، لكن ريادته في استخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة قادته إلى وضع اسمه ضمن شبكة المنارات العالمية التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي.
وفضلًا عن ذلك، حقل الجافورة، وهو حقل جديد نسبيًا أُعلن عنه لأول مرة في عام 2021م. وهو أول حقل غاز غير تقليدي رئيس في الشركة، وأحد المكونات الرئيسة في توسعة أعمال الغاز، فقد استخدمنا فيه تقنيات حديثة مثل تعلُم الآلات، والحوسبة فائقة القدرة، لتوفير معلومات مهمة حول أفضل السبل لاستخراج أقصى ما في مكامن هذا الحقل. وتجسيدًا لإيماننا بالدور الذي تؤديه التقنية، عملنا أيضًا على تسخير الذكاء الاصطناعي التوليدي، ونشر نموذج لغوي كبير للذكاء الاصطناعي طُوّر داخل الشركة لتعزيز الإنتاجية بشكل أكبر.
تجاوز الحدود
وفي ظل الواقع الحالي، فإن الشركات التي تبقى في محلها وتزهد عن التقدّم قد تواجه خطر التخلف عن الركب، ومن المرجّح أن ينعكس ذلك على بقائها في مضمار صناعة الطاقة. ولهذا السبب، تعيّن على شركات النفط والغاز أن تفكر في مواصلة الاستثمار، سواءً كان ذلك لتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، أو لتعزيز أعمالها، أو استخدام التقنيات المؤثرة، أو تطوير حلول الطاقة البديلة.
أما بالنسبة للعارفين بطبيعة عمل قطاع النفط والغاز، ربما لم يكن مفاجئًا أن الطلب على النفط وصل مستويات جديدة خلال العام الماضي، وهو أمر يبيّن حاجة العالم المستمرة إلى إمدادات آمنة ومستقرة وموثوقة من النفط والغاز، ويعكس الأساس المتين الذي تستند عليه أعمالنا، لكنه يؤكد أيضًا الحاجة إلى مزيد من الجهود للتقليل من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في هذا القطاع.
يعني هذا بالنسبة لنا أن نواصل العمل على خفض كثافة انبعاثات الكربون والميثان في قطاع التنقيب والإنتاج، رغم أن أرامكو السعودية تُعدّ بالفعل الأقل في كثافة الانبعاثات الكربونية في قطاع الطاقة، كما يعني أيضًا مواصلة جهودنا في العمل على تحقيق الحياد الصفري للنطاقين (1 و2) والحدّ من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، وإنشاء أحد أكبر مراكز احتجاز الكربون وتخزينه في العالم، واستكشاف حلول الطاقة المتجددة مثل: الطاقة الحرارية الأرضية.
ومن جانب آخر، فإن نمو أعمال الغاز في أرامكو السعودية ينطوي أيضًا على إمكانية دعم تطوير الهيدروجين منخفض الكربون، وهو حل بديل للطاقة، إذ يُمكن تحويله إلى أمونيا لتصديره للخارج.
طموحات المستقبل
ليس من السهل التكهُّن بما يحدث في المستقبل، خصوصًا في ظل هذه التغييرات الملحوظة غير أنه من المتوقَّع أن يكون العام القادم مليئًا بالتحديات والفُرص الجديدة، مع استمرار التقنية في إعادة تشكيل وإدارة المشهد. ونتوقع أن نشهد زيادة في الطلب على المنتجات منخفضة الكربون، إلى جانب المزيد من النمو في مجال الطاقة المتجددة.
وبغض النظر عما سيحدث، تعتزم أرامكو السعودية المحافظة على تركيّزها على المدى البعيد، ونحن نُعِدُّ الشركة لعالم تتعايش فيه منتجات النفط والغاز ذات الانبعاثات الكربونية الأقل مع منتجات الطاقة البديلة.
ما يعني استكشاف فرص جديدة لتوسيع مجموعة أعمالنا، مثل انتقالنا مؤخرًا إلى مجال الغاز الطبيعي المسال على النطاق العالمي، والمحافظة على مكانتنا كشركة موردة للطاقة على مستوى العالم.
** **
ناصر النعيمي - الرئيس للتنقيب والإنتاج في أرامكو السعودية