الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تعد مرحلة الطفولة من أكثر المراحل التي تحتاج إلى الاهتمام والرعاية الخاصة للطفل من الآباء والأمهات؛ للحفاظ على الطفل من سلوكيات قد تزعج الوالدين وتزعج الآخرين، وربما تشكل خطورة على الأسرة والمجتمع بشكل عام.
«الجزيرة» استطلعت آراء عدد من المختصين في العلوم الشرعية والتربوية والطبية حول أسباب ذلك، والسبل الكفيلة لمواجهة التيارات التي تعصف بفكر وثقافة الطفل؛ فماذا قالوا؟
أعظم الأسباب
بداية يشير الدكتور عمر بن عبدالله المشاري السعدون كاتب العدل أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن نسعى لحماية أطفالنا من تأثير الأفكار والسلوكيات الوافدة على مجتمعنا من خلال وسائل التواصل الاجتماعية ووسائل الإعلام بشكل عام إلا برسم منهج تربية عملي، يقوم عليه الأب والأم بشكل متوافق يجمع بين العلم والحزم والرحمة والحب والرعاية، وقبل ذلك وبعده يجب أن نكثر من الدعاء للأبناء لأن دعوة الوالدين في صلاح أبنائهم من أعظم الأسباب لصالحهم، واحذروا من الدعاء على أبنائكم فهو من أخطر الأسباب لانحرافهم.
عوامل مؤثرة
يبين د. عمر السعدون العوامل التي تؤثر في شخصية الفرد:
- العوامل الداخلية: ومنها الدين والأسرة ونوع العلاقات الأسرية
- الدين: يؤثر بشكل كبير في تكوين شخصية الطفل، لذا يحرص ديننا الحنيف على القدوة الحسنة، وتنشئة أفراد تتبع مبادئه وتطبيقها مع الآخرين.
- الأسرة ونوعية العلاقات داخلها: التفاعل والعلاقات بين أفراد الأسرة لها دور مؤثر في التنشئة الاجتماعية للفرد، كما أن السعادة الزوجية والتفاهم بين الزوجين يؤثر في شخصية الطفل وسلوكه.
العوامل الخارجية: ومنها: المؤسسات والمدرسة والنادي والأصدقاء والمسجد ووسائل الإعلام.
- المؤسسات: مثل: المدرسة أو الحضانة، فالمعلم والمدير والموظفون لهم دور في تكوين شخصية الطفل.
- الأصدقاء: في المدرسة وداخل النادي وبين الجيران، كل هؤلاء يؤثرون في تشكيل شخصية الطفل وسلوكه.
- دور العبادة: لها تأثير كبير على شخصية الطفل وتقدم له بيئة دينية وأخلاقية ضرورية لتشكيل شخصيته.
- وسائل الإعلام: من أخطر الوسائل التي قد تؤثر في تشكيل شخصية الطفل، فقد تؤثر بالسلب نظرًا للغزو الثقافي لوسائل الإعلام على الطفل، فقد تشوه قيمًا اكتسبها الطفل وتبث العنف وعدم التعاطف مع الغير وغيرها.
- ثقافة المجتمع: لكل مجتمع ثقافة محددة تؤثر في ثقافة الأفراد التي يعيشون بهذا المجتمع.
إن تنشئة الأسرة للطفل هدف سامٍ، خاصة إذا كان هدف الوالدين تنشئة أطفال على الإيمان وامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، ولذا لزم على أولياء الأمور التأني والتدقيق في أخطاء فالتربية تؤثر في تشكيل سلوك الطفل، ومنها:
- التسلط: تسلط الأبوين وفرض سيطرتهم على الأبناء ما يسلبهم حريتهم في التعبير عن آرائهم، فينتج عن ذلك ضعف في شخصية الأبناء، ونفور من الأبوين.
- التدليل المفرط: التدليل والاستجابة لكل الطلبات ما يخلق طفلًا لا يتحمل المسؤولية، ومهملًا واتكاليًا يعتمد على الآخرين دائمًا.
- الإهمال: إهمال احتياجات الطفل النفسية، وعدم تشجيعه وتصحيح سلوكياته الخطأ.
- العنف: استخدام أساليب العقاب البدني واللفظي، ما يترك آثرًا سلبياً على نفسية الطفل.
- عدم دراية الأهل بالتربية: عدم استعداد الأسرة الجيد لتربية الأبناء من خلال معرفة بعض الأساليب البسيطة التي تساعد في التربية وتجنب بعض الأخطاء، ووضوح رؤيتهم في التربية، ومنها: عدم مشاركة أحد الأبوين في التربية.
- التذبذب: التذبذب في أسلوب تربية الطفل، والتساهل في قواعد المنزل، وعدم الاستقرار على عقاب، وتحديد العقاب وفقًا للحالة النفسية للأب أو الأم، بمعنى أن الطفل قد يثاب على فعل، ويعاقب على نفس الفعل لاحقًا، ما يشعر الطفل بالتذبذب.
* التفرقة بين الإخوة: من الأخطاء التي يقع بها الآباء هي التفرقة بين الأبناء، وتفضيل أحدهما على الآخر، والمقارنة بينهم وبين غيرهم مما يؤثر في نفسيتهم، وعدم احترام مشاعرهم.
- السعي للكمال: بعض الآباء في الوقت الحالي يضعون أبناءهم تحت ضغط للسعي نحو الكمال، وأن يكونوا الأفضل في كل شيء، لكن هذه ليست الطريقة التي تعمل بها الأشياء فقد يؤدي ذلك إلى تدني ثقة طفلك بنفسه وشعوره بالإحباط.
- عدم الاتساق بين الأب والأم: إن عدم الاتساق ما بين أسلوب الأب والأم في التربية قد يضر بأطفالك، خاصة إذا كنت في بعض الأحيان صارمًا للغاية، ولكنك تستسلم في أوقات أخرى لنفس السلوك أو ببساطة لا يبدو أنك تهتم بما يفعله أطفالك، فسيواجهون صعوبة بالغة في معرفة ما هو متوقع منهم وكيفية التصرف.
مرحلة الطفولة
يؤكد الدكتور هشام بن عبدالكريم المشيقح أستاذ التربية المدير العام بجامعة المستقبل بمنطقة القصيم أن مرحلة الطفولة من أهم المراحل التي تتطلب اهتمامًا ورعاية خاصة من الآباء والأمهات، وذلك لأنها تؤثر بشكل كبير في تشكيل شخصية الطفل وسلوكه في المستقبل، وهناك عدة أسباب تجعل من هذه المرحلة حاسمة وحساسة، منها:
1 - تأثير البيئة المحيطة
الطفل يتأثر بشكل كبير بالبيئة المحيطة به، بما في ذلك الأسرة، المدرسة، والأصدقاء. إذا كانت البيئة مليئة بالعنف أو الإهمال، قد يتبنى الطفل سلوكيات غير مرغوب فيها.
2 - وسائل الإعلام والتكنولوجيا
في عصرنا الحالي، يتعرض الأطفال لكم هائل من المعلومات والمحتوى من خلال التلفاز، الإنترنت، وألعاب الفيديو، وبعض هذه المحتويات قد تكون غير مناسبة وتؤثر سلبًا في تفكيرهم وسلوكهم.
3 - غياب التوجيه السليم
في بعض الأحيان، قد يفتقر الطفل إلى التوجيه السليم من قبل والديه أو معلميه، مما يجعله عرضة لتبني سلوكيات غير صحيحة نتيجة لعدم معرفة الفرق بين الصواب والخطأ.
أما السبل الكفيلة لمواجهة هذه التحديات؛ فتتمثل، بالآتي:
1 - التواصل الفعّال مع الطفل
يجب على الآباء تخصيص وقت للحديث مع أطفالهم والاستماع لمشاكلهم وأفكارهم، وهذا يساعد على بناء علاقة قوية وثقة متبادلة.
2 - توفير بيئة إيجابية
يجب على الآباء خلق بيئة منزلية داعمة وآمنة تشجع الطفل على التعلم والنمو بطريقة صحية.
3 - الرقابة على وسائل الإعلام
من المهم مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الطفل سواء على التلفاز أو الإنترنت، وتوجيهه نحو استخدام هذه الوسائل بطريقة إيجابية.
4 - تعليم القيم والأخلاق
يجب على الآباء والمجتمع بشكل عام تعليم الأطفال القيم الإنسانية والأخلاقية منذ الصغر، ليتمكنوا من التمييز بين الصواب والخطأ.
5 - دور المؤسسات التعليمية والدينية
يجب أن تتعاون المدارس والمؤسسات الدينية في تقديم برامج توعوية وتثقيفية تسهم في تنمية وعي الطفل وفكره بشكل سليم.
ويضيف د. هشام قائلاً: بتطبيق هذه السبل، يمكن للآباء والأمهات والمجتمع ككل أن يحموا الأطفال من التيارات الفكرية والثقافية السلبية، مما يساهم في بناء جيل واعٍ ومسؤول قادر على مواجهة تحديات المستقبل.
طرق المعالجة
تشدد الدكتورة إكرام رابح عياد استشارية طب الأطفال بمدينة الرياض على أن عدم اتباع الأبناء للسلوك الجيد ليس مشكلة فردية، بل يعاني منها جميع الآباء في مرحلة ما، ولكن وجب التنويه بأن عدم الامتثال وسلوك التحدي الذي يتبعه الطفل يمكن أن يكون جزءاً من نمو الطفل السليم، لأنه عندما يختبر الأطفال الحدود الموضوعة لهم ويحاولون تجاوزها، فهم يحاولون أن يكونوا أكثر استقلالية، وهذا يسمى الاستقلال الناشئ الذي يعد أمراً صحياً، غير أن نمط التحدي المستمر ليس كذلك ووجب معالجته. وفيما يلي بعض طرق معالجة السلوكيات السلبية عند الأطفال:
- يجب على الوالدين عدم أخذ سلوك الطفل المتحدي على محمل شخصي مع أهمية تلبية الاحتياجات الأساسية له لدرء السلوك السلبي لديه، مع ضرورة منح المراهقين أكبر قدر من القوة والحرية، واختيار نظام العقوبات الذي من شأنه تغيير السلوك السلبي، وتعليم أطفالهم مهارات التفاوض المحترمة.
- يجب على الوالدين التركيز على الأفعال الجيدة التي يقوم بها ابنهم بدلاً من التركيز على السلوك السلبي، وبالتالي الاهتمام به، وعليهم البحث عن فرص للثناء على طفلهم لسلوكه الجيد كلما امتدحوا سلوكاً معيناً، زاد احتمال تكرار طفلهم لهذا النوع من «السلوك الجيد» في المستقبل.
- تجنب الاهتمام بالسلوك السلبي قدر الإمكان من خلال الحفاظ على تعابير الوجه ونبرة الصوت المحايدة أثناء قيام الابن بعمل سلبي، مع العلم أن هذا من أصعب المهارات التي يمكن أن يتقنها الآباء، وعند وجوب التدخل من الأفضل تجنب استخدام كلمات سلبية مثل «لا»، «توقف»، ولكن وجب توجهيه لما يمكنه فعله بدلا من هذا السلوك.
- التدخلات المسبقة: هي استراتيجية مختلفة قائمة على تقليل احتمالية حدوث السلوك السلبي، وتتضمن على سبيل المثال معرفة الوقت الذي يحتاج فيه الابن إلى النوم أو أخذ استراحة حتى لا يتحول الإجهاد إلى طلبات غير مناسبة في الوقت الحالي.
- الاهتمام الإيجابي: حيث يمكن أن يكون عدم الامتثال طريقة الأطفال لجذب الكثير من الاهتمام، رغم أنه اهتمام سلبي، ومن خلال إعطاء الطفل جرعات يومية من الاهتمام الإيجابي كاللعب وقضاء بعض الوقت معاً حتى ولو بضع دقائق يمكن أن تساعد على تقليل التحدي والعناد.
- العقاب: وينقسم إلى نوعين وهما العقاب الإيجابي مثل القيام بعمل إضافي بالمنزل عند فعله للسلوك غير المرغوب فيه، ويتمثل العقاب السلبي مثل: حرمان الطفل من بعض الحلوى أو من الألعاب المفضلة لديه لوقت محدد عند القيام بالسلوك الغير مرغوب فيه.
تجنب العنف
وتختتم د. إكرام عياد استشارية طب الأطفال حديثها قائلة: من الضروري التأكيد على تجنب العنف اللفظي والجسدي لما له من أضرار نفسية على الطفل وتطوره العقلي والسلوكي السليم.
مرحلة مهمة
تقول الدكتورة مني بنت علي الحمود الخبيرة التربوية:
يمر الأطفال بسلسلة من مراحلهم العمرية، لكل مرحلة منها سماتها وخصائصها ومتطلباتها، وتعد المرحلة مرحلة الطفولة المبكرة من المراحل المهمة في حياة الطفل من حيث اكسابه المهارات الأساسية التي تعينه في ممارسة حياته بالشكل الطبيعي والمأمول.
ويكون دور التربية الوالدية هو الرئيس في هذه المرحلة.
غير أن مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة تعدان الأهم، وهي من سن (6 - 12عاماً)، حيث يبدأ الاستقلال عن الوالدين بشكل واضح، وتنمو العلاقات الاجتماعية في بيئته والمدرسة، ويزداد اختلاط الطفل بالراشدين والأصدقاء في مرحلة الطفولة المتأخرة.
كما يخضع الأطفال في هاتين المرحلتين لعدة مؤسسات للتنشئة الاجتماعية إلى جانب الأسرة ترسم ظلها على شخصياتهم ونموهم على المستوى الجسدي والعقلي والنفسي، ومن هذه المؤسسات مؤسسات التعليم والإعلام وجماعة الرفاق، ومع الانفتاح الثقافي والمعرفي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والمتمثلة في مواقع الإنترنت والتطبيقات التي يمكنك استخدامها لمشاركة محتوى وإنشائه، جزءاً مهماً في عملية التنشئة الاجتماعية، فعلى الرغم من محاسنها وايجابياتها العديدة إلا أن هناك الكثير من السلبيات والمساوئ التي تكمن خلف سوء استخدامها ولاسيما في غياب الاهتمام والارشاد والمتابعة الوالدية؛ فإلى جانب آثارها على مستويات التحصيل وهدر الوقت والأبعاد الصحية، يعد الاختراق الثقافي كتكوين آراء غير واقعية عن حياة الآخرين وثقافتهم أو عن حياتهم وهيئتهم الجسدية، وأيضاً التحرش والابتزاز والتنمر الإلكتروني، كذلك الضغط العاطفي وفقدان الإحساس تجاه العنف بسبب التعرض للمشاهد المرعبة أو العنيفة تعد من أخطر المهددات على صحة الطفل النفسية والعقلية والجسدية كذلك، والتي قد يكون لها أبعاد أخرى في وقوعهم في أفعال غير قانونية أو إيذاء النفس أو الآخرين بمشاركة معلومات شخصية عنهم أو عن غيرهم مما يوقعهم تحت طائلة المسؤولية.
توثيق العلاقة
أكدت د. منى الحمود أن أهم عوامل الوقاية توثيق العلاقة الوالدية مع الأبناء، شرح الأمور غير المناسبة وتوضيح عواقبها وتبعاتها بدون مبالغة وبمصداقية، أن نكون قدوة لأطفالنا في استخداماتنا لوسائل التواصل، تشجيع الأطفال على الاستخدامات الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي ومشاركتهم في ذلك، حماية الطفل أثناء تعرضه للتنمر أو الابتزاز الإلكتروني والتصعيد للجهات المسؤولة حتى يشعر الطفل بالأمان من أسرته وأنها في حمايته دائما، والتنبيه على الأطفال بسرية البيانات والمعلومات الشخصية سواء عنهم أو عن الآخرين، وتشجيع الأطفال على اللقاءات المباشرة واللعب الحر مع تخصيص اوقات يتفق على تنظيمها مع الأطفال للتواصل واللعب الإلكتروني، وتفعيل إعدادات الحماية والخصوصية، مع الانتباه من التعرض المستمّر ومشاهدة الصور ومقاطع الفيديو القاسية كالضرب والحروب والقتال حتى بين الحيوانات.
ويجب التأكيد على الوعي الإلكتروني لحماية الأطفال من مخاطر عالم الإنترنت، وفي حال ملاحظة أي من أعراض للقلق أو الخوف أو الاكتئاب أو غيرهما من المشكلات الصحية أو العقلية المتعلقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يجب عدم التردد في التحدث إلى اختصاصي الرعاية الصحية.