قرأت كتابك «بتوقيعي» حالما وردني من معاليك ممهوراً بكلمات إهدائك النبيلة الراقية.... ويعلم الله أنني استفدت واستمتعت ووقفت وتأملت عند وفي كل المواقف والتحديات والدروس والفصول الحياتية التي وردت في تلك السيرة الرائعة والتي ضمها ذلك الكتاب....
لقد عشت وتابعت العديد من تلك الفصول منذ أن كنت شاباً غضًا أتابع دراستي في مدرستك، وإلى أن أصبحت لي أخاً وصديقاً ورفيقاً....
وبناءً على طلب «أمر» معاليك فقد أعدت قراءة السيرة المشرقة من جديد بعين وذهن «المتسائل» وليس بروح الناقد أو المحلِّل مثلما طلبت مني في رسالتك. وحيث إن معاليك لفت نظري بألا أتجاوز الصفحتين كحد أقصى فيما أكتبه من «تحليل» كما أردته أو «تساؤل» كما أردت له أن يكون... لذا سأكتفي بالعزف وبروح المحبة على الفصل الرابع فقط من رحلتك الحياتية الرائعة حسب ما يلي:
أولاً:
لا شك بأن جهاز وزارة المالية قام بتقديم دعم كبير لكل قطاعات الدولة حينذاك ولا زالت تقدم هذا الدعم -ولله الحمد - بكل أمانة وإخلاص، وعلى رأس هذه القطاعات الهامة أمانة مدينة الرياض التي كانت تعمل بعزم وحزم لإنقاذ العاصمة مما كانت فيه من نقص في النظافة أو الطرق أو أعمال المقاولات لإنشاء بنية تحتية جيدة تليق بعاصمة المملكة. وقد تناقل الكثير من المسؤولين حينذاك ما دار من حوار ونقاش طويلين بين الأمانة ووزارة المالية عند طرح مشروع تصريف السيول والصرف الصحي في الرياض، حيث كانت النتيجة تأجيل النظر في المشروع الوطني الكبير إلى وقت غير منظور.. مما دعا أمانة مدينة الرياض إلى رفع المشروع لمقام مجلس الوزراء الذي باركه واعتمده حسبما رفعته الأمانة... وعليه لماذا لم تأت أو تقف طال عمرك عند تفاصيل الحوار والنقاش الذي دار بين الأمانة ووزارة المالية لكي يقف المواطن وبعد مرور أكثر من أربعين عاماً على عمق التفكير والطرح واتخاذ التوصية والقرار؟
ثانياً:
وقفت وزارة المواصلات «النقل» مع الأمانة موقفًا رائعاً في التعاون معها في إنشاء العديد من الطرق الرئيسية وتشجيرها داخل وخارج مدينة الرياض.. وكان الفضل -بعد الله - لمعاليك ومعالي الفقيد الدكتور ناصر السلوم -رحمه الله رحمة واسعة-.. ولا زلت أتذكر جيداً الخلاف الوطني المخلص الذي جرى بينك وبين المغفور له -بإذن الله - حول الطريق الدائري الشمالي، حيث رأيت معاليك أن يكون الدائري الشمالي هو طريق الملك عبدالله الحالي، في حين رأى معالي الدكتور ناصر أن يكون في موقعه الحالي. وعندما علم الملك فهد -رحمه الله - وكان ولياً للعهد- بذلك، ذهب معكما لكلا الموقعين وبدعم من جلالته -رحمه الله- تم اعتماد الطريق الدائري الشمالي في موقعه الحالي، فلماذا لم تطلع القراء على وجهات النظر المختلفة آنذاك ليستشعروا مناخ التفكير واتخاذ القرار في تلك الفترة؟
ثالثاً:
علمتُ وقت إنشاء الطريق الدائري الغربي أن خلافاً كبيراً وقع عند وأثناء تنفيذ ذلك الطريق بين وزارة المواصلات «النقل» ووزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانة مدينة الرياض، مما أثَّر على تنفيذ المشروع كما هو مخطط له، فلماذا طال عمرك وأنت الوطني الشفاف لم تضع النقاط على الحروف؟ خاصة وأن الموقف حسبما سمعت كان في مصلحة تطوير مدينة الرياض ومضى عليه وقت طويل؟
رابعاً:
جاء في «بتوقيعي» أن أحد وزراء التجارة الخليجيين قال لمعاليك: «أهلك ما يبونك وشلون تتورط بهذا العمل؟»، ثم قام هذا الوزير بزيارة أخرى لمدينة الرياض وبعدما أصبحت الرياض بحال أفضل، فذكّرتَ ذلك الوزير بما قاله من قبل إلا أنه أنكر ذلك! فلماذا طال عمرك لم تذكر اسم ذلك الوزير، في حين أنك ذكرت ما قاله الملك فهد - رحمه الله - حينما ذهبت للسلام عليه وشكره على صدور قرار مجلس الوزراء بتعيينك أميناً لمدينة الرياض، حيث قال بالحرف الواحد: «ورطوك ولكن لا تخف نحن معك».
خامساً:
كنتَ مؤمناً ولا زلتَ بأهمية النخلة في حياة المواطن السعودي لذا قمتَ ببرمجة عملك اليومي في متابعة السؤال عن عدد وحجم النخيل التي تزرع كل موسوم في الطرق والشوارع الرئيسية في مدينة الرياض، ولك الفضل بعد الله فيما نراه ونتمتع بمشاهدته كل يوم، لكن وأثناء حضورك ووجودك في مطار الرياض لاستقبال الملك فهد - رحمه الله- مع الكثير من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، حيث فوجئت بقول جلالته وأنت تصافحه وتحمد الله على سلامته ووصوله إلى أرض الوطن: «يا أبو علي ما عندك أشجار تزرعها في الطرق إلا النخلة؟» وقد آلمتك تلك العبارة وأنت تنفذ بإيمان ونشاط كبيرين زرع شعار الدولة في كل مكان. فلماذا طال عمرك لم تأتِ على هذا الموقف، وتقف وتعبر عن مشاعرك خاصة بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على هذه المفاجأة؟
سادساً:
بعدما قرأت «بتوقيعي» نشرت مقالاً عن الرمز عبد الله النعيم، وفيما يلي مقتطفات مما جاء فيه وهو الذي يستحق كل الإشادة والتكريم لما قدمه لهذا الوطن من عطاء منقطع النظير.
«لقد وقفت كما وقف غيري كثيرون من أصدقاء ومعارف أستاذنا الجليل، أمام مراحل حياته العملية الطويلة التي عكسها في كتابه الجميل.. فرأيت أن أبا علي في سيرته ومسيرته لم ينحن إطلاقاً أمام تحديات الحياة الصعبة التي بدأت من وفي عنيزة.. وإنما أخذ بمبدأ «أين الطريق؟ وأين الهدف؟» وآمن بأن أول الطريق خطوة، وراح بعدها يمشي في منحنيات الحياة بقامة طويلة شامخة قادرة على العطاء الوطني المتميز، وغرس في حياتنا الكثير من الآثار الإيجابية المشرقة داخل وخارج الوطن».
«عشت واختزنت العديد من المواقف المضيئة التي كنت أتابعها وأسجلها في ذهني ومشاعري منذ أن كنت طالباً في مدرسته، وتابعت منجزاته الوطنية الكبيرة والكثيرة.. وحينما كبرتُ ونضجتْ نظرتي للأمور والحياة، استعدتُ العديد من الصور والمواقف والتوجيهات التربوية والإدارية التي كان معاليه يتخذها أحيانًا بشكل فوري ومباشر.. ورأيت فيها الكثير من الصواب والحكمة والشجاعة والحزم».
** **
صالح العلي العذل - نائب مدير عام صندوق التنمية الصناعية سابقاً