الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الإسلام دين الفطرة، والتشريعات الإسلامية تتميز بالمرونة وقدرتها على الاستجابة لمتغيرات الزمان والمكان، وأنها صالحة وقادرة على التعامل مع المستجدات.
وتعاليم وأحكام الإسلام كلها تصب في خدمة الإنسان، حيث تؤكد التعاليم بالمحافظة على الصحة وتحسينها بوضوح، وهناك عدد من الأسس والفوائد الصحية الحديثة التي سبق الإسلام بالكشف عنها، ومنها ما أكدها الطب، وفيها مالم يكشفها حتى الآن.
والهدايات النبوية لم تأت اعتباطاً، بل لها ارتباط وثيق بصحة الإنسان وسلامته، وتأتي الأبحاث العلمية لتثبته، ومن ذلك أن الصيام المتقطع تشكل الحالة الصحية للجسم.
«الجزيرة» التقت اثنين من المختصين في العلوم الشرعية والطبية ليتحدثا عن ذلك؛ فماذا قالا؟
عبادة عظيمة
يؤكد الدكتور عبدالله بن محمد الطيار مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم أن خصائص الشريعة الإسلامية، عامة لجميع الأنام، وصالحة لكل زمان ومكان، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (28) سورة سبأ.
وشريعة الإسلام تلبي احتياجات البشرية، وتؤسس لنهضتها وتطورها، رغم الثورات العلمية والطبية والمعرفية التي زخر بها هذا العصر، وهي تؤكد أن الإسلام رسالة الله عز وجل إلى البشر جميعًا، وأن آياته وتعاليمه شريعة إلهية، وسنن ربانية، جاءت لتحفظ للإنسان روحه وبدنه، وقلبه وعقله، فيحيا الحياة الكريمة التي أرادها له خالقه سبحانه بقوله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (97) سورة النحل.
ويقول د. عبدالله الطيار: ومن العبادات العظيمة في الإسلام: عبادة الصوم، الذي جعله الله عز وجل أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وجاءت النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، تحث على الصيام، وأنه تربية للروح والبدن، وتهذيب للأخلاق والسلوك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (183) سورة البقرة.
وإذا كان في الصيام فرصة كبيرة لتقوية الروح، ففيه فرصة أكبر لتقوية البدن، فإن كثيرًا مما يصيب الناس إنما هو ناشئ من بطونهم التي يتخمونها بكل ما تشتهي، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ، فإن كانَ لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ) أخرجه الترمذي (2380) وصححه الألباني.
وإذا كان البطن مستنقع البلايا، وكانت المعدة بيت الداء، فإن الامتناع عن الأكل رأس الدواء، والصوم فرصة تستريح فيها المعدة، ويتخلص الجسم من كثير من فضلاته الضارة، التي لا زالت الأبحاث الطبية، والدراسات البحثية والعلمية، تسرد فوائدها، وتستقي ثمارها إلى يومنا هذا.
الصيام المتقطع
يضيف د. الطيار قائلاً: ومن ذلك ما ظهر في الآونة الأخيرة كأحد أفضل الحلول للتخلص من أمراض السمنة، ورغبة كثير من الناس في إنقاص وزنهم، عن طريق ما يسمى (الصيام المتقطع) ومفاد هذا النظام الغذائي بأن يلتزم المريض بفترة زمنية محددة يوميًا يمتنع فيها عن الطعام والشراب، وإذا انتهت تلك الفترة يتناول أطعمة محددة ثم يعاود برنامجه في اليوم التالي، وهكذا، ولعل هؤلاء لا يعلمون أن الإسلام قبل أكثر من 1400 عام مضى، قد سن العلاج لتلك الأسقام.
وهذا النظام هو وصف لعبادة الصوم التي افترضها الله عز وجل على المؤمنين شهرًا كل عام، وحث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - كنافلة من النوافل التي يتقرب بها العبد لربه أسبوعيًا: كصوم الاثنين والخميس، وشهريًا: كصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهي الأيام البيض، وسنويًا كصوم عاشوراء، والست من شوال، ويوم عرفة، والعشر الأول من ذي الحجة، وكذا الإكثار من الصيام في شهر الله المحرم، وشهر شعبان، وغيرها من صيام التطوع.
بل جعل الله عز وجل الصيام كفارة لبعض الذنوب، كصيام ثلاثة أيام لمن حنث في يمينه، وصيام شهرين متتابعين في القتل الخطأ، أو الجماع في نهار رمضان عامدًا، وصيام ثلاثة أيام لمن ارتكب المحظور في الحج أو العمرة، وغير ذلك مما فصلته الشريعة الغراء، وهذا يعد وجهًا من وجوه الإعجاز في الشريعة الإسلامية، ودليلًا على ربانية تلك الشريعة.
الأبحاث الطبية
وينبه د. عبدالله الطيار مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم إلى أنه باستقراء الأبحاث الطبية، والمقالات العلمية التي تناولت الصيام المتقطع فإن المرء يدرك التالي:
أولًا: كمال الشريعة الإسلامية، وفضلها على البشر جميعًا.
ثانيًا: أن الصوم نعمة إلهية، ومنحة ربانية، امتن الله عز وجل بها على المؤمنين لما لها من فوائد روحية، وبدنية، وعلاجية، وسلوكية.
ثالثًا: الشريعة الإسلامية سبقت تلك الأبحاث الطبية، والاكتشافات العلمية في تقرير تلك الحقيقة.
رابعًا: أكدت بعض تلك الأبحاث عدم مناسبة هذا النظام الطبي الغذائي - الصيام المتقطع - لمرضى السكري، وأرباب الأمراض المزمنة، وكبار السن، والمرأة الحامل أو المرضع، وهذا الأمر أيضًا سبق إليه الإسلام، فجاء تشريع الصوم مراعيًا لحال المرضى، وكبار السن بقوله سبحانه: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (185) سورة البقرة.
خامسًا: هذه البرامج لتنظيم الصيام المتقطع بعضها يكون لشهر كامل، وبعضها ثماني ساعات يفصل بينها 48 ساعة، وهو ما يعني يومين أسبوعيًا، وهذا ما قررته الشريعة، وجاءت به السنة المطهرة.
سادسًا: تمنع هذه البرامج إطالة الصيام إلى أكثر من مدته المحددة (8 ساعات - 12 ساعة) لما في إطالتها من أضرار على صحة الإنسان، وهذا ما أكدته السنة النبوية: (عجِّلُوا الإفطارَ، وأخِّرُوا السُّحورَ).
فحري بالمسلم أن يعتزّ بتلك الشريعة الغرّاء، وهذا المنهج القويم، وذاك الهدي النبوي الصادق، ويحمد الله عز وجل أن جعله من المسلمين.
طرق مهمة
ويستعرض الدكتور فواز بن عبدالرحمن الحوزاني أخصائي الأمراض الباطنية بالرياض.. احدى الطرق المهمة في إنقاص الوزن وفوائدها والطريقة الصحيحة لتطبيقها؛ مثل: الصيام المتقطع وهو الامتناع عن تناول الطعام (وليس الماء العادي) لفترة محددة كل يوم أو أسبوع. تتضمن بعض الأساليب الشائعة للصيام المتقطع ما يلي:
* صيام تبديل الأيام حيث يصوم الشخص عن الطعام في اليوم الأول تمامًا أو يكتفي بوجبة صغيرة (أقل من 500 سعرة حرارية)، ثم يتناول نظامًا غذائيًا عاديًا في اليوم التالي، وهكذا دواليك.
* صيام 5: 2 يتناول الشخص نظامًا غذائيًا عاديًا لخمسة أيام في الأسبوع، ويصوم عن الطعام لمدة يومين في الأسبوع.
* صيام أوقات محددة كل يوم. يتناول الشخص الطعام بشكل طبيعي ولكن فقط خلال فترة سماح طولها 8 ساعات كل يوم، وعلى سبيل المثال: يتخطى الصائم وجبة الإفطار، ولكن يتناول الغداء عند الظهر والعشاء قبل الساعة 8 مساءً، مبيناً أن بعض الدراسات العلمية قد أشارت إلى أن صيام تبديل الأيام له تقريبًا نفس فعّالية الحمية الغذائية النمطية قليلة السعرات الحرارية في تخفيف الوزن. يبدو ذلك معقولًا، لأنه من المتوقع أن تقليل عدد السعرات الحرارية التي تتناولها سيساعدك على فقدان الوزن.
وقد أوصى رسولنا الكريم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ففي السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر تذهب وحر الصدر»، (أي غله وحقده)، وصيام الأيام البيض تذهب أدران القلب، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام الدهر، حيث إن الحسنة بعشر أمثالها.
فقدان الوزن
يؤكد د. فواز الحوزاني أن الصيام المتقطع يحسن الصحة حيث يساعد فقدان الوزن والنشاط البدني على تقليل خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالسمنة، مثل: السكري، وانقطاع النفس النومي، وبعض أنواع السرطان، ويبدو أن الصيام المتقطع مفيد بالنسبة لهذه الأمراض مثل: أي نوع آخر من الأنظمة الغذائية التي تعتمد على مبدأ تقليل السعرات الحرارية الإجمالية، كما تشير بعض الأبحاث إلى أن الصيام المتقطع قد يكون أكثر فائدة من الأنظمة الغذائية الأخرى في تقليل الالتهابات وتحسين الحالات المرتبطة بها، مثل: داء الزهايمر، التهاب المفاصل، الربو، التصلب المتعدد، السكتة الدماغية.