السعي واجب وليس بركن في الحج، وهو قول الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد.
لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى (بما أهللت، قال: لبيك بإهلال كإهلال النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: (أحسنت، فطف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل).
وبما روي من حديث: (إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا) وإن كان سنده فيه ضعيف إلا أنه له ما يعضده من وجه آخر.
و: (كتب) بمعنى فرض، ولا فرق بين الفرض والواجب عند الجمهور إلا في موضعين أو ثلاثة عند بعضهم خلافاً للحنفية، حيث إن الفرض عندهم آكد من الواجب.
وأما السعي في العمرة فركن بالإجماع، قال الوزير: أجمعوا على أن أفعال العمرة، من الإحرام، والطواف، والسعي، أركان لها.
وكذا حكى الإجماع في ركنية السعي في العمرة ابن العربي، واستغربه ابن حجر في الفتح، وهذا الإجماع لا يصح، لثبوت المخالف.
ولو صح الإجماع لكان دليلاً للجمهور في ركنية السعي في الحج، لحديث: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة).
وبما أن الإجماع لم يصح، فإن السعي في العمرة والحج واجب، فيكون حكمهما واحد.
وحديث أبي موسى -السابق- (فطف بالبيت وبالصفا والمروة وحل) والأمر يدل على الوجوب، وقوله (وأحل) دليل على عدم حصول التحلل بدونه).
وأما كونه ركناً فيحتاج إلى دليل يدل على الشرطية، وأما قول عائشة -رضي الله عنها-: (ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة).
فهو اجتهاد منها وليس مرفوعاً، وعلى فرض كونه حجة فلا يعني الركنية بل يحتمل الوجوب، نظير حديث (من شهد صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذا وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ساعة من ليل أو نهار. فقد تم حجه...) فمنه الركن ومنه الواجب.
كما يحتمل معنى آخر: بمعنى من فاته السعي بدون عدر في الحج أو العمرة فقد فاته خير كثير، وهو أسلوب من أساليب العرب، تعبر به عمن فاته خير كثير حتى وإن لم يكن ركناً ولا واجباً عليه.
مع العلم أنه قد سبق في كتاب القواعد الفقهية والأصولية: بأن قول الصحابي المجرد ليس بحجة في الأحكام الشرعية، وأينما يستأنس به.
أضف إلى ذلك أن هذا الاجتهاد من عائشة - رضي الله عنها - منقوض باجتهاد غيرها من الصحابة في كون السعي من السنن في الحج لا من الفرائض والواجبات كابن عباس وغيره - رضي الله عنهم جميعاً -.
وذهب بعض السلف من الصحابة ومن بعدهم إلى كون السعي في الحج والعمرة سنة، استدلاً بقوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا) (158) سورة البقرة.
وفي قراءة: (أن لا يطوف بهما).
والجواب: أن الصحابة قبل حجة الوداع كانوا يتحرجون من الطواف بين الصفا والمروة لوجود الأصنام عليهما، فنفى الله تعالى عنهم الحرج بهذه الآية.
والقاعدة: ما كان لرفع التوهم فلا مفهوم له.
وهي داخلة تحت القاعدة الأصولية العامة:
التخصيص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم به لم يبق مفهومه حجة.
وأيضاً: (قراءة ابن كثير ومن وافقه، محمولة على ما كان قبل فرضية الحج، حيث كان تطوعاً، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا)، فقال الأقرع بن حابس - وهو ممن أسلم متأخراً -، (أفي كل عام يا رسول الله)، فقال: (لو قلت نعم لوجبت، الحج مرة، وما زاد فهو تطوع).
والله أعلم.
** **
د. محمد بن سعد الهليل العصيمي - كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة