القريب من أبي يعرب أو المتابع الجيد لمسيرته، التي لم تنفصل يومًا عن المعرفة منذ أن عرف القراءة وبدأ الكتابة وهو طفل، يدرك أنه شخص استثنائي. كان يصاحب أباه، يمسك بيده في الذهاب والعودة من المسجد في الرياض، أو في زياراته الرمضانية إلى مكة المكرمة. كان يجمع القرش على القرش لشراء كتاب يقرؤه في منتصف خمسينيات القرن الماضي. ما يثير العجب أن شغف هذا الطفل بالمعرفة لم ينطفئ أبدًا، حتى وهو شيخ طاعن في السن، بل زاد إصراره على الكتابة، رغم أنه بدأها في وقت متأخر بالنسبة لشخص متمكِّن من القراءة وعاشق لها منذ الطفولة.
بوعي القارئ وممارس الأنشطة الثقافية، جاء الأستاذ محمد القشعمي إلى عالم الكتابة. جاء محملاً بأسئلة وهموم ثقافية كبيرة. فقد تساءل: «كيف لعالم بهذا الاتساع أن يخلو من رموز ثقافية أو اجتماعية أو سياسية؟ هذا مستحيل!» نذر نفسه للبحث والكتابة في هذا الجانب، واستثمر وقته وجهده وماله، فأثمر ذلك عن أكثر من خمسة وخمسين كتابًا، تصب جميعها في منبع واحد: التاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي للمملكة.
اليوم، أصبحت كتب القشعمي مراجع مهمة للدارسين الأكاديميين وطلاب المدارس على حد سواء، لأنها تعتمد على معلومات ووثائق حقيقية. وإذا تساءلنا: ماذا استفاد أبو يعرب من هذه الحياة الأدبية والثقافية الصارمة والملتزمة بقيم وأخلاقيات راسخة؟ لوجدنا الإجابة جاهزة، وبعناوين متعددة.
لنستعرض معًا بعض هذه العناوين:
• الوعي: يتجلى في قراءاته، وصداقاته، والأنشطة التي قام بها خلال عمله في الرئاسة العامة لرعاية الشباب، سواء في الأحساء أو حائل.
• تسجيل التاريخ الشفوي: يظهر ذلك في عناوين كتبه واختياراته للشخصيات التي يكتب عنها.
• صداقاته الممتدة: التي تشمل كل مناطق المملكة وعواصم الدول العربية.
• ملازمته للشيخ عبد الكريم الجهيمان: لمدة عشرين عامًا.
• الثقة كمؤرِّخ: حيث يُطلب منه اليوم الكتابة عن بعض الشخصيات أو الحوادث المهمة.
مع ذلك، يرفض القشعمي الكتابة بأمر أو بناءً على طلب من أحد، فهو يتحرك وفق قناعات ومبادئ ملتزم بها. هذا الالتزام جعله نموذجًا للشخصية المثقفة المحبوبة.
لذلك، التكريم الحقيقي للأستاذ محمد القشعمي هو أن يتخذه جيل اليوم قدوة، فهو مثقف حقيقي، لم يتخرّج من جامعة، لكنه أصبح جامعة بحد ذاته.
** **
- محمد صالح الهلال