الأم خيرات الحياة، دعاؤها نهر يسقيك سحائب الأمان..
ورضاها بحر يوصلك إلى شواطئ الرضوان...
وبرها جسر يأخذك إلى فراديس الجنان...
كل الأحزان مهما عظمت، تصغر أمام حزني على رحيل أمي...
فيا منبع البركات ويا موطن الرحمات ويا ملتقى البشريات..
برحيلك عن الدنيا أقول : وداعًا أمي..
وداعًا أيتها النقية التقية، وداعًا أيتها الطاهرة المطهرة.
في جنان الخلد..
عيشي هانئة مكرمة عند رب كريم ورحمن رحيم.
مُكذِّبًا خبرًا مُزَلْزلاً بّدَنا
أُمَّاهُ فلتسمعي الأنّاتِ مُتُّ أنا
لا ترحلي يا ضياء الكونِ وابتدعي
للموتِ موتًا بلا فقْدٍ يُروّْعنا
ماذا أقولُ وقلبي صار من لهفٍ
دمعًا تفجّرَ في عينيّ واحتقنا
القلبُ يبكي على دُنياه إذ رحلت
مَنْ كانت العينَ والأشواقَ والحُضُنا
واليوم إن حار عقلٌ وانقضت سُبُلٌ
فإنه الموتُ يطوي السهلَ والحَزَنا
هل غيَّب الموتُ أمي أم تُراهُ صدىً!!
والحقُّ إن جاء لا دارَى ولا ارتهنا
كلّْ الجوارحِ أنّت واعترت سهري
خواطرٌ تستثيرُ البوحَ والشّجَنا
والعاصفاتُ تهاوت حين قيلَ لنا
بأن قُدوتَنا قد أُلبِست كَفَنا
تزلزلت كلُّ أرضٍ في نواظرنا
وغابت الشمسُ واشتدّ الظلامُ بنا
لكنها مُرسلاتُ اللهِ مُقبلةً
جاءتكِ باسمةً وافت بك الزّمَنا
والناشطاتُ برفقٍ ثمّ في عجَلٍ
طافت بروحِك في الفردوسِ حين دَنا
بكيتُ من حرقةٍ فرقاكِ والدتي
تاهت خطايَ فما تدري لها مُدنا
فعشتُ فقْدَ رضيعٍ أُمّهُ فبكا
ولاتَ أمٌّ لهُ.. إنّ الحياةَ ضنى
أُسائلُ النفسَ والذكرى تُسألني
وصوتُكِ العذْبُ همسًا يمنعُ الوسَنا
والذكرياتُ ملأنَ الدارَ من ألمٍ
تحِنُّ حُزْنًا على من حازتِ المِننا
والقبرُ هلَّ بنورِ اللهِ في جذَلٍ
وقام يسألُ: من في لَحْدِه دُفِنا؟
فقيل هذي هيا بنتُ الجعيب سنًا
فارتجَّ من رهبةٍ لكنه أمِنا
وقال لي لحدُك الوضاءَ في فرحٍ
كم كنت أرنو لألقى مثلَها بدنا
يا قبرَ حوريةٍ في لحدِه اجتمعت
حورُ المكارمِ والأخلاقِ فاتَّزنا
يا قبرَ ميمونةٍ حلّت بروضتهِ
أمُّ اليتامى وأمُّ الجودِ: ما وهَنا
يا قبرَ محبوبةٍ جاءته راضيةً
فضاءَ بالنور ِلمّا لامسَ البدنا
يا قبرُ قل لقبورِ المحسنينَ: هُنا
حلَّت مُكرّمةً أمٌّ لَهُم ولَنا
وأنها الغيثُ إن حلّت وإن رحلَت
وأنها الخيرُ كفًا شابهت مُزنا
إنّ الصفاتِ لتحلو حين تذكُرها
وتكتسي الحُسنَ والإحسانَ والحَسَنا
رحلتِ أمّاهُ والأيامُ شاهدةٌ
على رجاحةِ عقْلٍ منك زيّننا
رحلتِ أمّاهُ والآنامُ باكيةٌ
تُغالب الشوقَ والأنّاتِ والحُزُنا
رحلتِ أمّاهُ والآمالُ صادحةٌ
بأن خطوَك في الجناتِ حاز مُنَى
فصار يبكيكِ قومٌ ليس يعرِفُهم
مِنّا سواكِ فبانَ الجودُ مُؤتَمَنا
ذكراكِ باقيةٌ في كل بارقةٍ
إنْ غِبتِ تبقى السجايا دائمًا معَنا
ومنكِ أبقى قريبًا.. لا أَغيبُ ولا
يغيبُ طيْفُ حنانٍ منكِ رافَقَنا
أرثيكِ أمٌي بشِعْرٍ كم يُؤرقُني
فليس في الشعرِ وصفٌ من سناكِ دَنا
أرثيكِ أمي ودمعي باتَ محْبَرتي
ونَوْحُ قلبي لا استخفى ولا رَكَنا
أرثيكِ أمي.. فما ننساكِ يا قمرًا
أضاءَ دُنيًا فلم نَشهدْ بها الدُّجنا
فيا إلهي ويا من أنت خالقُنا
اِجعلْ لها كنفَ الفردوسِ مُحتضنا
واغدقْ عليها من الرحماتِ اشملها
واكتب لها الفوزَ لا ذنبًا ولا دَرَنا
واكتب لقلبيَ صبرًا أستعين به
أمام خلقِك... لا ضعْفًا ولا وَهَنا
لو كان في الموتِ من يَفْدِي بمهجتِهِ
لكنتُ يا نورَ عيني أفتديكِ أنا
فإن رَثيْتُ فصوتي لستُ أُدركُهُ
كأنني تائهٌ قد ضيّعَ الوطنا
وإن أكذّبَ أنّ الموتَ أدركَها
ظلمتُ حقًا وحاشا أُنكر السُننا
فكلُّ نفسٍ لأمْرِ اللهِ ذائقةٌ
فليس يبقى سوى الرحمنِ دونَ فَنا
لو خيّروني ببيتٍ لي فأسكُنهُ
لاخترتُ قبرَكِ يا أمّاهُ لي سَكَنا
** **
- شعر: د. سالم بن محمد المالك