محمد العشيوي - «الجزيرة»:
خطفت ليلة (محمد عبده والنجوم) الأنظار في الساحة الفنية بالوطن العربي، ورسمت بهجة موسيقية وسعادة لا توصف لجمهور فنان العرب ومحبيه في إطلالته البهية ضمن فعاليات موسم الرياض. جاء ذلك بعد آخر حضور له على مسرحه الشامخ في نهاية يناير من العام 2023، وتحديدًا في ليلة اليوبيل الماسي، واكتست الفرحة وجوه الحاضرين والعاشقين لكل ما يطرب به محمد عبده جمهوره الكبير.
كانت أغنية (الأماكن) لحظة فارقة في الحفل، حيث تماهى الجمهور مع صوته العميق وكأن الأغنية تصف حال المسارح بعد غيابه، في واحدة من أجمل لحظات الطرب العربي، قدمها أبو نورة إهداء للملحن الراحل ناصر الصالح (رحمه الله)، تكريمًا له وسط انسجام وعاطفة بدت واضحة على الجمهور، أما أغنية (ما عاد بدري) فجاءت كرسالة حب متجددة أثارت حنين الحاضرين مع ختام الليلة الأولى، وافتتح الحفل بأغنية جديدة بعنوان (أعلى الجمال تغار منا) من كلمات الشاعر السوداني إدريس جماع.
لم تخلُ الأمسية من لحظات مميزة جمعت محمد عبده مع النجوم المشاركين، وأضافت عبير نعمة لمسة فنية أظهرت فيها قدراتها الصوتية بحضورها الأول في حفلات المملكة، حيث تغنت بثلاثة أعمال من بينها (أنشودة المطر) وسط أداء استثنائي وأوبرالي قدّمت فيه نفسها كفنانة لبنانية تمثل الفن اللبناني إلى جانبها، قدم النجم وائل كفوري رائعة (أبعاد) بطريقة الديو مع محمد عبده، ليكون هذا التعاون من أبرز لحظات الحفلة، التفاعل بين النجمين كان مختلفًا، إذ تُعد من المناسبات النادرة، ما أضاف أبعادًا غنائية مفاجئة للجمهور، وقد أشاد فنان العرب بقدرات وائل الفنية للجمهور منذ مشاهدته له لأول مرة في حفل بلبنان في أواخر التسعينيات لتلاقى هذه الإشادة بعاصفة من الترحيب، أما رابح صقر، فقد شارك بديو (تعذبني)، حيث كان آخر الفنانين الذين شاركوا أبو نورة الغناء ضمن مفاجآت الحفل، ما شكل تمازجًا رائعًا يعكس عمق الفن السعودي وروعته.
ووسط ثقافات شرقية وغربية لا يعرف مكامنها إلا محمد عبده، شاركت النجمة العالمية صونيا يونكيفا بأغنية (لعيونها)، وقدمت صولوهات أوبرالية بمزيج من الموسيقى الكلاسيكية الغربية والشرقية، تفنن فيها فنان العرب بقيادة المايسترو هاني فرحات، نتجت عن هذه التوليفة الموسيقية لوحة رائعة امتزجت فيها الثقافات، وقد ربطت هذه الوقفات الماضي بالحاضر، حيث سبق لفنان العرب تصدير هذه الثقافات للعالم من خلال عدة مشاركات مثل الإسباني خوسيه كاريراس، والفرنسية لارا فابيان، وعازف التشيلو الكرواتي هاوزر.
أما عن جماليات المسرح وطقوس الحفلة، فقد تميزت بديكورات فخمة وإضاءة مبهرة عكست جماليات الفنون البصرية، كان المسرح تحفة فنية تتناغم مع الأداء الموسيقي، في ظل استعداد استثنائي يليق بالليلة المنتظرة، وعزفت الأوركسترا باحترافية عالية أضافت طابعًا ملحميًا على الأمسية.
واختُتمت الليلة الكبرى بلوحة فنية مبهرة تركت الجمهور في حالة من النشوة الفنية، ومن بين الأعمال التي تغنى بها محمد عبده «المدينة، الليالي الوضح، المعازيم، اختلفنا، مجموعة إنسان»، وجاءت هذه الليلة تأكيدًا على أن محمد عبده هو صاحب الرقم الصعب بجمال حضوره الذي سيبقى حاضرًا في ذاكرة محبيه.