محمد العشيوي - «الجزيرة»:
مع نهاية عام 2023 وتحديدًا في ليلة اليوبيل الماسي، كرّم فنان العرب محمد عبده الملحن ناصر الصالح، معبّرًا عن أن ناصر شخصية قريبة إلى قلبه، ووصفه بأنه (فنان إلى النخاع)، وهو الملحن الكبير ناصر الصالح.
ودائمًا ما يؤكد فنان العرب بصمته الخاصة في عالم الفن، بما في ذلك إسهامه في إيصال الملحنين إلى أكبر عدد من المستمعين، ويُعد هذا التكريم بادرة وفاء خالصة تجاه الراحل ناصر الصالح.
وفي فجر 31 يناير من عام 2025، رحل ناصر الصالح، مخلفًا وراءه إرثًا فنيًا لا ينضب من الألحان والأعمال الغنائية التي أسهمت في خلود الأغنية السعودية وارتقائها في سماء الفن العربي، بأكثر من 250 لحنًا كانت ألحانه من الألحان التي لا تغيب عن ذاكرة الأغنية السعودية لنجوم الفن في الوطن العربي، وحلّقت أنامله مع عزفه على العود بين المقامات الموسيقية، ليكشف عن حلقة وصل فريدة بينه وبين النجوم وذاكرة المستمعين، ليصبح رقمًا يصعب تعويضه بفضل إمكانياته الكبيرة في عالم الألحان وإحساسه المرهف والعاطفي في تقديم ألوان موسيقية متنوعة.
ارتبط اسمه جليًا بعدد من الأغنيات الناجحة، خاصة تلك التي قدمها مع فنان العرب محمد عبده، ما شكل علامة فارقة في تاريخ الأغنية السعودية، كانت لمسته الإبداعية عاملًا فارقًا في التميز، حيث اتسم أسلوبه بالمزج بين ألحان الحنين والتجديد الموسيقي الحديث. كما تناغمت ألحانه مع الكلمات وعززت من قيمتها الفنية.
وشكل التعاون بينه وبين محمد عبده طابعًا استثنائيًا في الأغنية السعودية، تحديدًا مع بداية الألفية الأولى، وكانت رائعة (بنت النور) أولى هذه الإبداعات الفريدة التي وثّقت علاقة غنائية موسيقية مع فنان العرب، ما دفع الوسط الفني للتساؤل (من هو صاحب هذا اللحن الفريد والاستثنائي؟) غرق الصالح في «بنت النور» وتولّع بـ (الأماكن)، وقدم رائعة (عترفلك) ورومانسية (سمي) وغيرها من الألحان التي رافقت محمد عبده في حلّه وترحاله وكافة مناسباته الفنية.
في منتصف التسعينيات، بدأت ألحانه مع الفنانة نوال التي قدم لها ما يقارب 20 عملًا، لتكون نوال أكثر من تغنى بألحانه، حيث ساد أغلبها الطابع العاطفي، كما قدم أعمالًا متنوعة مع الفنانة أحلام، والتي حظيت بنسبة استماع عالية منذ أول تعاون معها في عام 2001، وشدا بروائع ألحانه نخبة من نجوم الفن الخليجي والعربي والمغرب العربي.
شهدت فترة التسعينيات انطلاقته اللحنية المميزة، حيث وثّق النجم راشد الفارس علاقته الفنية مع ناصر الصالح، وأسفر هذا التعاون عن أكثر من 10 أعمال منذ عام 1998، تجاوزت ألحانه النمطية التقليدية إلى مساحات موسيقية أكثر تنوعًا وثراء، وألهمت ألحانه العديد من الفنانين الشباب للبحث عن أنماط مبتكرة في عالم التلحين.
عكست ألحانه روح الانتماء والفخر الوطني من خلال تقديم عشرات الألحان الوطنية التي لا تزال محفورة في ذاكرة السعوديين، من بينهم محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد وأحلام وماجد المهندس، لتشكل ألحانه (عاصوفا) من الذكريات التي سكنت وجدان المجتمع السعودي والعربي، لترسخ مكامن اللحن والكلمة المنبثقة من أنامل الشعراء، وتصبح جزءًا من الذاكرة الفنية، واستطاع ناصر الصالح بموسيقاه مواكبة التغيرات الفنية والثقافية، مقدمًا أعمالًا تتناغم مع الأغنية الحديثة والمتجددة، ليصنع تأثيرًا واستمرارية عبر الأجيال.
نشأ ناصر على الجمع بين مزيج من الأصالة والمعاصرة والفن العميق، استطاع أن يدمج بين الإيقاعات والألحان السهلة الممتنعة والعصرية، مما جعل ألحانه تحظى بقبول واسع من الجمهور لتعكس ألحانه روح النص الشعري وأضافت له أبعادًا موسيقية لا تُنسى، ليصبح بذلك واحدًا من رموز الفن في المملكة.