بين الصدق والشجاعة تكمن الحقيقة الفاصلة الكاشفة لكل تناقضات البشرية غير المدركة. فبين ما نعتقده ونؤمن به وما نمارسه ونفعله تظهر حقيقتنا، متحدية كل الأقنعة التي نحاول عبثًا التواري خلفها.
هل مررت بلحظة تساءلت فيها: لماذا لا يتطابق ما أؤمن به مع ما أفعله؟
كم من مرة شعرنا بأننا نقول شيئًا ونتصرف بضده، ثم نحاول تبرير ذلك لذواتنا. وقد نرفع شعارات العدالة والصدق، لكننا قد نتعثر في تحقيقها على أرض الواقع. قيمنا هي البوصلة، وسلوكنا هو الطريق الذي نسير فيه، فهل نحن حقًا نتبع البوصلة!!
الحقيقة أن التناقضات ليست أمرًا غريبًا في الطبيعة الإنسانية المعقدة، فهي تعكس صراعنا الداخلي بين ما نرغب أن نكونه وما نحن عليه فعلًا. لكنها حين تتحول إلى نمط دائم تضعُف معه الرؤية وترتبك به الهوية، فذلك يعني أنها أصبحت أزمة تتطلب منّا وقفة شجاعة مع الذات، وتقييم صادق لحقيقة أفكارنا ومدى تناغمها مع سلوكياتنا.
لكن، كيف نبدأ هذا التغيير؟
نحتاج إلى وقفة صدق وشجاعة لنسأل أنفسنا:
لماذا هذه الفوضى؟ لماذا ندافع عن قيم سامية ثم نخالفها في أفعالنا؟
لماذا نتصلب في أحكامنا ومواقفنا، حتى لو كان ذلك يخالف الحق والحقيقة؟
حين نواجه التناقضات بشجاعة، ونجعلها فرصة لإعادة ترتيب أفكارنا وتقييم معرفتنا وتصحيح مساراتنا، حينها ستتحقق وعود التسخير والبركة والتوفيق التي وعدنا الله بها. لأننا اجتهدنا في تمحيص نوايانا وسلوكياتنا وتوجيه بوصلتها بما يتوافق مع القيم العليا التي نتحدث بها، لتكون مرآة صادقة لما نؤمن به حقًا.
من الضروري أن نعترف بأننا نعيش في تيه معرفي سببه فوضى المعرفة يستدعي تنظيمًا عميقًا. وهذا الاعتراف يبدأ بالتواضع أمام الحقيقة والإقرار بأننا لا نملكها كاملة، وأن نُقر بأخطائنا وجهلنا المحتمل، وأن نعمل على مواجهة أخطائنا بصدق وشجاعة لأن ذلك هو الخطوة الأولى للتغيير وبداية رحلتنا نحو التزكية.
نحن بحاجة إلى أن ندرك أن الفكر الذي نحمله هو منظومة متكاملة من المعتقدات والقيم. نحتاج إلى عقل حكيم يُعيد تشكيل المفاهيم ويضعها في سياقها الصحيح. عقل يرى أن القيم الإنسانية تكمل بعضها البعض، وأن السلوك ليس انعكاسًا للظروف، بل هو اختيار واعٍ يتجسد فيه التزامنا بالقيم التزامًا صادقًا.
الحكمة ليست غاية نصل إليها، بل رحلة مستمرة نحو التزكية والتجديد. وهي الجسر الذي يربط بين ما نؤمن به وما نعيشه، بين الظاهر والمخفي، لنصل إلى الحقيقة الكبرى: أن الصدق مع الذات هو البداية الحقيقية للنجاة.
**
- نجاة الريس/ NajatAlrayes@