تصوير - التهامي عبدالرحيم:
بدأت الندوة التي أدارها الأستاذ جابر القرني مدير الجلسة، وشارك فيها الدكتور عبدالواحد الحميد والدكتور إبراهيم التركي، حيث بدأ الأستاذ القرني تقديم الندوة بالقول:
نحييكم جميعاً في هذا المساء الباذخ الجمال.. المفعم بالوفاء والعرفان والمحبة.. الذي نلتقي فيه لتكريم رمز من رموز الوطن.. وقامة من قاماته.. كان طوال مسيرته رائداً من رواد الصحافة والإعلام.. أضاء بفكره وجهده دروب التنوير.. وكان صوتاً للوطن.. وجامعةً جامعةً للإبداع والمسؤولية والمهنية.. مدافعاً عن قضايا الوطن والمجتمع.. وشكّل نموذجاً فريداً بين أقرانه ومجايليه في مفهوم الصحافة الجادة الرزينة.. عبر كل القيم التي حملها وآمن بها ودافع عنها طوال أكثر من ستين عاماً.
هو رئيسُ رؤساءِ التحرير.. وجامعةُ الصحافةِ السعودية.. وصحفيُّ كل العصور.. وعميدُ الصحفيين العرب بلا منازع.. ولكم أن تتخيلوا هذه الأسماء الأعلام في الإعلام (عثمان العمير - عبدالرحمن الراشد - حمد القاضي - محمد الوعيل - علوي طه الصافي - مطر الأحمدي - محمد التونسي - عبدالعزيز العيسى - سليمان العقيلي - فهد الفريان - سليمان العيسى - صالح العزاز - حاسن البنيان - محمد العوام - سعد المهدي - محمد الكثيري).. كل هذه الأسماء هي نتاجُ جامعةِ الجزيرة الصحفية التي يقودها النخلةُ السعوديةُ الباسقةُ خالد المالك.. وقد تبوأ كلُ واحدٍ منهم المناصبَ القيادية في إعلامنا وصحافتنا..
أيها الحضور الكريم..
إننا نستخلص من هذه الليلة في تكريم الأستاذ خالد المالك جملة من المكتسبات والمعاني السامية.. من أهمها تعزيزُ ثقافةِ وقيمةِ الوفاءِ لهذه الرموز.. وهي قيمةٌ أصيلةٌ في نسيجِ مجتمعنا السعودي ولله الحمد، وتقديرُ وصيانةُ وحفظُ الإرث الصحفي الكبير.. وإبرازُ الدور الريادي العظيم الذي قام به الأستاذ خالد المالك وجيلٌ كاملٌ من رواد الإعلام السعودي.. واحتفاءٌ بمرحلة مهمة من تاريخ صحافة الوطن.. كما أن هذا التكريمَ يرسخ قيمةَ الصحافة.. ليس بصفتها وسيطاً أو ناقلاً أو عيناً أو شاهداً على العصر فحسب.. بل لأنها - وأعني الصحافة - قامت بدور أساسي في تشكيل الوعي وتعزيز بنية الفكر والتنوير..
وبما أننا في ليلة وفاء واحتفاء وتكريم.. فلا أصدقَ ولا أبلغَ مما قاله الوجيه المعروف/ عبدالمقصود خوجه رحمه الله: «الوفاء عند خالد المالك سجيةٌ نابعةٌ من عمق ذاته.. وليس حليةً مكتسبة.. فله مواقفُ وفاءٍ عديدةٍ في زمنٍ عزّ فيه الوفاء».
أيها الأحبة..
إنني في غاية السعادة والاعتزاز وأنا أشرُفُ بالجلوس بين قامتين وعلمين من أعلام الوطن.. وفي حضرة أستاذِنا الكبير خالد المالك.. فلغتي لا تسعفني.. وكلماتي وأحرفي تتقازم أمامَ مثلِ هذه القامات.. وأجدها صغيرةً جداً في حضرة أبي بشار وتلاميذه ومحبيه وذوي وُدّه..
لا أريد أن أستأثر بالحديث في هاذ المقام أكثر من المتحدثين الرئيسيين..
سأتيح المجال للضيفين الكريمين.. ثم نستقبل مداخلات الأخوة والأخوات حسب الوقت المتاح.
الآن مع معالي الدكتور عبدالواحد الحميد، الذي سيتحدث عن الأستاذ خالد المالك وعلاقته به التي تمتد إلى أكثر من(40) عاماً.
أما ورقة الدكتور إبراهيم التركي فتحمل عنوان (قياديٌّ استأثرت به الصحافةُ ولم تخسره الإدارة.. خالد المالك بين تكوين الذات ومهارات السمات).. وهو عنوان لا يخلو من شاعرية مرهفة أصيلة.
وتصدق على أستاذنا الكبير خالد المالك هذه الأبيات (بشيء من التصرّف):
اسكب عطاءَك للجميع فإنه
يبقى العطاءُ وغيرُه سيزولُ
سطّر على صدر الزمان شمائلاً
تحكي العصورُ جمالَها وتقولُ
أبدعتَ فكراً نيراً يا (خالداً)
ونخيلُ غرسِك باسقٌ ويطولُ
ورقة دكتور عبدالواحد الحميد
تساءلت عمَّا يمكن أن أضيفه في حديثي عن الأستاذ خالد المالك، العَلَم البارز، وبخاصة في حضرةِ مثلِ هذا الجمعِ الكريم الذي أجزم أن معظمَه إما أنه يعرف الأستاذ خالد شخصياً، أو أنه تعامل معه أو تابع عطاءاته وإنجازاته، لكنني قبلت باعتزاز دعوة القيصرية للحديث في هذه المناسبة العزيزة تعبيراً عن تقديري واعتزازي بهذه الشخصية الوطنية المُنجِزة وعن سعادتي البالغة في المشاركة بحفل يقام لتكريم هذا الرائد الكبير وليس لإضافة جديدٍ لا تعرفونه عن أبي بشار وعن عطاءاته.
وقد اخترتُ مدخلاً شخصياً للحديث عن الأستاذ خالد المالك، وهو وإن بدا (هذا المدخل) كما لو كان شخصياً صِرفاً إلا أن دلالاتِه الإنسانية والمهنية تتجاوز البُعد الشخصي المجرد لتكشف جانباً مما كان وما يزال يميز خالد المالك.
وعلى العكس من صديقي الدكتور إبراهيم التركي الذي عَمِلَ في كواليس الجزيرة وعرف الأستاذ خالد المالك عن قرب من خلال عمله في جهاز تحرير الجزيرة كمدير تحرير للشؤون الثقافية فإن معرفتي بالأستاذ خالد وإن كانت قديمة قبل رئاسته لتحرير الجزيرة فهي كانت على مسافة ومن بُعد، وقد كانت في بدايتها علاقةَ قارئ محبٍ للصحافة، وللجزيرة بشكل خاص، ثم تطورت بعد أن تعرفتُ عليه شخصياً وتوثقت مع الأيام، وأصبحتُ بعد ذلك أحد كُتَّاب الجزيرة أكتب عموداً منتظماً لعدة سنوات.
لابد أنني قد انتبهت إلى اسم خالد المالك في البدايات الأولى لتعرفي على الصحف عندما كنت تلميذاً في المرحلة الدراسية المتوسطة بالجوف. فقد كانت جريدة الجزيرة من المفردات الرئيسية في المنزل إذ كان والدي مراسلاً لها ثم مديراً لمكتبها في الجوف. كانت رفوف مكتبة الوالد تحتوي على نُسَخ قديمة من مجلة الجزيرة الشهرية لعبدالله بن خميس، وكذلك على نسخ متراكمة من جريدة الجزيرة التي كانت تصدر يوم الثلاثاء برئاسة تحرير الأستاذ عبدالعزيز السويلم، ولاحقاً عندما بدأتُ أتابع الجزيرة وأترقب الموعد الأسبوعي لصدورها كان الأستاذ عبدالرحمن المعمر قد أصبح رئيساً لتحريرها، وكان الأستاذ خالد المالك آنذاك ضمن هيئتِها التحريرية ومن أبرز نجوم الصحافة الرياضية السعودية.
بدأتُ في تلك الفترة أتطلع إلى نشر بعض الخواطر وأخبار المنطقة، فنشرَتْ لي الجزيرة أولى محاولاتي الكتابية وكانت قصة قصيرة في 24 سبتمبر 1968م ومقالاً في 26 نوفمبر 1968م، وكان ذلك في عهد رئاسة الأستاذ عبدالرحمن المعمر وكنت في الخامسة عشرة من العمر تلميذاً في المرحلة الدراسية المتوسطة. لم تكن لدي ميول رياضية ولم يكن في الجوف نواد رياضية، وكانت المواد التي أرسلها للجريدة تنشر في صفحة المحليات أو صفحة عالم الشباب، ولكن حدث ذات يوم أن أقيم عرضٌ رياضي في كمال الأجسام أقامه أحد أبناء المنطقة متبرعاً بعائدِهِ المالي لصالح أسر شهداء فلسطين، ولجنة تحسين منطقة الجوف، وكنت أتصيد أي مناسبة لتغطيتها وذلك لمحدودية المناسبات والأحداث التي يمكن تغطيتُها صحفياً في الجوف آنذاك، فأجريت معه مقابلة وأرسلتها إلى الأستاذ خالد المالك الذي نشرها في الملحق الرياضي (نادي الرياضة) بشكل بارز في صدر الصفحة الأولى من الملحق بتاريخ 6 يوليو 1971م فأسعدني ذلك جداً إذ كانت هذه أول مرة أحصل فيها على مساحة بهذا الحجم وفي مكان بارز وبعنوان ملون وصورة شخصية لي، ومازلت أتذكر كم كنت ممتناً لخالد المالك الذي منحني هذه الفرصة الكبيرة وأنا مازلت في خطواتي الأولى على درب الصحافة وبخاصة أن المقابلة حققت انتشاراً في الجوف، وذلك لشعبية الجزيرة هناك وقلة ما كان ينشر من أخبار المنطقة، وكان ذلك هو تعاملي الوحيد مع خالد المالك آنذاك لكنه كان فاتحةَ إعجاب ومحبة ومتابعة وتقدير من طرفي للأستاذ خالد المالك، وبخاصة أنني كنت أقرأ له زاوية في الجزيرة الأسبوعية مازلت أتذكرها وهي بعنوان «دقات من قلبي» يتناول فيها موضوعات غير رياضية.
في عام 1972م تحولت الجزيرة من إصدار أسبوعي إلى إصدار يومي برئاسة تحرير خالد المالك الذي كان أول رئيس لتحريرها في عهدها الجديد وكنتُ آنذاك قد انتقلت للدراسة في جدة، وهنا تأتي ذكرى أخرى لا يمكن أن أنساها فقد كانت بالنسبة لي ذات دلالة كبيرة لمعرفة خالد المالك الإنسان، وخالد المالك المسؤول الصحفي، وهي دلالة أثبتت الأيامُ دقتَها وصدقَها.
فقد كتبتُ له رسالة أعرض فيها فكرة لعمل صفحة للجزيرة من جدة بصيغة معينة وأرفقتُ موادَها المقترحة وأرسلتُها للأستاذ خالد بعد تردد، فلم أكن متأكداً من أنه سيتفاعل معها، ولم أكن اسماً معروفاً في الوسط الصحفي، فضلاً عن أنَّ للجريدة مكتباً في جدة، وهي المدينة التي تغصُ بعدد وافر من الصحفيين والكتاب. ولابد أن أقصى آمالي وقتَها كان أن أتلقى رداً تشجيعياً ربما في صفحة القراء، ولكنني فوجئت بعدها بأيام برسالة بريدية شخصية من خالد المالك تصلني على عنواني البريدي وكانت بتاريخ 9 رمضان 1392هـ الموافق 16 أكتوبر 1972م يعتذرُ فيها الأستاذ خالد المالك بلباقة وذوق بالغين عن عدم إمكانية تنفيذ الفكرة - كما اقترحتها - لأسباب شرحها لي بشكل مفصل على امتداد صفحة كاملة، منهياً رسالتَه بعبارات تشجيعية وترحيبٍ بالغ في أن أراسل الجزيرة. وعلى الرغم من اعتذاره عن عدم إمكانية تنفيذ فكرة الصفحة المستقلة كما اقترحتها فقد شعرتُ، وأنا الشابُ الصغير الذي لم يكن عمرُه يتجاوز التاسعةَ عشرة آنذاك، وغير المعروف، شعرتُ بسعادة لا توصف وأنا أتلقى رسالة بريدية شخصية من رئيس التحرير، فقد كان بوسعه أن يتجاهل رسالتي أو يرد عليها في زاوية بريد القراء. لكنه بدلاً من ذلك وزع مواد الصفحة المقترحة في عدة صفحات من الجزيرة ونشرها كاملة، ومازلت أحتفظ بتلك الرسالة في أرشيفي كذكرى جميلة.
بالنسبة لي كانت تلك الرسالة، ببعدها الإنساني والمهني، أحدَ مفاتيح شخصية خالد المالك، فهو على المستوى الإنساني رجلٌ يتمتعُ باللطف واللباقة واحترام الآخرين وتقدير مشاعرِهم، ولكنه على المستوى المهني لا يتنازل عن معايير يرى ضرورةَ توفُرِها في العمل الصحفي وفي ذات الوقت يفتحُ المجال لصحفي ناشيء ويشجعه، ويرحب به ويقترح عليه أسلوباً للتعاون مع الجريدة فيُرضي بذلك تطلعات ذلك الصحفي الناشيء ويعزز ثقتَه بنفسه. وبالفعل بدأتْ الجزيرة تنشر مساهماتي الصحفية إلى أن انتقلتُ إلى مجلة اقرأ بعد صدورها بوقتٍ قليل. ونحن نعلم الآن أن لخالد المالك فضلاً كبيراً على كثيرين ممن عملوا في المجال الصحفي، وأن قصتي هذه قد تكررت مع أشخاص آخرين أخذ بيدهم وفتح لهم صفحات الجزيرة فمضوا في دروب الصحافة تملؤهم مشاعر الامتنان والتقدير للأستاذ خالد.
ثم بعد ذلك بحوالي ثلاثين سنة عدتُ للجزيرة كاتباً لعمود منتظم إلى أن توقفتُ عن كتابة ذلك العمود في أغسطس 2017 . وأشهد أن تعامله، كرئيس تحرير، معي ككاتب كان في غاية الرقي، فلم يكن يتدخل أو يفرض آراءه، وقد وفَّر للكُتَّاب شعوراً بالانتماء لعائلة الجزيرة من خلال اللقاءات الأخوية والرحلات وكذلك ترتيب لقاءات مع صناع القرار في ندوات عقدتها الجزيرة.
ذلك هو المدخل الشخصي الذي أردت أن أبدأ منه حديثي، فهو كما ترون يحمل من الدلالات الإنسانية والمهنية ما يفسر لنا كيف أن أجيالاً ممن عملوا أو كتبوا في الصحافة السعودية يَعتبرون خالد المالك أستاذاً لهم، وأنه يستحق وبجداره وصف «معلم أجيال» في الصحافة السعودية، فلكلٍ قصتُه التي يحملُها في ذاكرته عن المعلم خالد المالك.
أما عندما ننتقل إلى الحديث عن جدارة خالد المالك وعن عطاءاته وموجبات الاحتفاء به، فالواقع أننا لا نحتاج إلى سردها، فتاريخُه ومنجزاتُه معروفة، وقد سبق أن حَصَلَ على العديد من الجوائز والأوسمة داخلياً وخارجياً، لكننا ونحن نلتقي هذا المساء لنتشارك سعادة وفرحة الاحتفاء بخالد المالك فإن من الطبيعي أن نستحضر بعض أسباب هذا الاحتفاء، حتى وإن كنا جميعاً نعرفُها:
* فخالد المالك يستحق الاحتفاء تقديراً لما يتحلى به - كإنسان - من خلق رفيع وتواضع جم وشهامة ولطف عُرف بها في الوسط الصحفي والاجتماعي وأكسبته محبة وثناء الناس. فخالد المالك المنافس العنيد والقوي في ميدان الصحافة هو ذاتُه خالد المالك الإنسان المتواضع النبيل الخلوق، وهو يعي الفرق بين المنافسة المهنية والخصومة الشخصية ولا يخلط بينهما فكان بسبب ذلك يلقى كل التقدير والمحبة حتى من منافسيه المهنيين.
* ويستحق الاحتفاء تقديراً لتجربته الطويلة التي تناهز الستين عاماً في العمل الصحفي، وقد واكب في مسيرته الصحفية أحداث المملكة والأحداث العربية والعالمية الكبرى على مدى تلك العقود، وخدم وطنَه من خلال موقعه كرئيس تحرير لجريدة كبرى وبخاصة أن المملكة شهدت خلال تلك الفترة الطويلة تحولاتٍ تنموية كبرى، فكان له دورٌ كبير في تجنيد جريدتِه وقلمِه للإسهام الإيجابي في هذه التحولات من خلال التوعية وتسليط الضوء على الإنجازات وممارسة النقد البناء.
* ويستحق الاحتفاء بما سَجَّله من مواقفْ مُشَرِّفة للدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، ولعل ما كتبه ويكتبه خلال الأشهر الأخيرة عن فلسطين وغزة من أبلغ ما كُتِب في هذا المجال.
* ويستحق الاحتفاء لأنه أسهم في تطوير الصحافة السعودية، فقد انطلق بالجزيرة اليومية من خلال إمكانات بشرية ومادية محدودة للغاية، ثم خلال فترة بسيطة تحولت الجزيرة إلى صحيفة عملاقة من حيث التوزيع والأرباح والمقروئية. وقد كان لأفكاره الإبداعية تأثيرُها العميق ليس على مستوى صحيفة الجزيرة فقط وإنما تجاوزها إلى البيئة الصحفية السعودية بشكل عام بما أحدثه نجاحُ الجزيرة من روح تنافسية بين الصحف.
* ويستحق خالد المالك الاحتفاء لإسهامه العميق والمميز في تكوين الكوادر البشرية الوطنية في مجال الصحافة، فهو بحق أستاذ ومعلم وقدوة لأجيال من الكتاب والصحفيين الذين تعلموا في مدرسته. وقد تخرج على يديه عددٌ كبير من الصحفيين الذين أصبحوا رؤساء تحرير لصحف كبرى ومسؤولين قياديين في مواقع صحفية وإعلامية وكذلك عددٌ كبير من الكُتاب.
* ويستحق الاحتفاء بما حافظ عليه من خطٍ يتسم بالاعتدال والتوازن في الطرح الذي قدمته وتقدمُه الجزيرة، ويبرزُ ذلك كأوضح ما يكون في القضايا الاجتماعية والثقافية. فعلى الصعيد الاجتماعي لم تجبُن الجزيرة عن مناقشة الكثير من القضايا الجدلية اجتماعياً ولكنها أيضا لم تتهور في طرحها في سياق غير مناسب، وعلى الصعيد الثقافي كانت الصفحات الثقافية والمجلة الثقافية للجزيرة منفتحة على جميع التيارات ولم تحجب رأيَ أيِّ تيار فكانت حديقة جميلة يصدحُ فيها الجميع.
* ويستحق الاحتفاء بوصفه نصيراً للتنوير وقضايا التطور الاجتماعي، وقد أتاح من خلال صفحات الجزيرة المجالَ واسعاً أمام نقاشات جريئة وشجاعة لصالح التطور الاجتماعي.
* ويستحق الاحتفاء لريادته بوصفه أول رئيس تحرير لجريدة الجزيرة كإصدار يومي، وكذلك ريادتُه في إصدار جريدة المسائية والإشراف على تحريرها في بداية صدورها، فكانت هي الصحيفة المسائية الوحيدة في تاريخ الصحافة السعودية، كما كانت له ريادة ومبادرات في مجال الإصدارات الصحفية المتخصصة الورقية والإليكترونية، علماً بأن جريدة الجزيرة سبقت جميع الصحف السعودية في اقتحام عالم الإنترنت، وقد طور الأستاذ خالد هذا التوجه وتوسع فيه.
* ويستحق الاحتفاء لِما قدمه من خدمه للصحافة في مجال التوزيع وذلك من خلال عَمَلِهِ في الشركة الوطنية الموحدة للتوزيع التي كلف بإنشائها وكان أولَ مدير عام لها.
* ويستحق الاحتفاء بما سعى إليه من توفير بيئة مساندة للصحفيين السعوديين من خلال رئاسته لهيئة الصحفيين السعوديين، وللصحافة الخليجية من خلال رئاسته لاتحاد الصحافة الخليجية.
* ويستحق الاحتفاء بما أوجده من علاقة متميزة مع كُتاب الجزيرة، حيثُ نجحَ في خلق روح أسرية جميلة من خلال اللقاءات والرحلات، وكانت له مواقفُ إنسانية رائعة لدعم كُتاب الجزيرة مادياً ومعنوياً.
* ويستحق الاحتفاء بوصفه كاتباً قدم ما يربو على ثمانية عشر كتاباً بالرغم من أنه يَعتَبرُ نفسه كاتباً مُقلاً كما قال في إحدى المقابلات. لكن خالد المالك، كما نعرف، يكتب عموداً يومياً في الصفحة الأولى من الجزيرة منذ سنوات، فضلاً عن المقالات الأخرى التي يكتبُها من حين لآخر والتي غالباً ما تكون ذاتَ موضوعات اجتماعية وإنسانية. ويتميز أسلوبُه بالسلاسة والبعد عن التصنع والاستعراض اللغوي ويتكيء على ثقافة وخبرة واسعتين.
ختاماً، أقول إن من حسن حظ الصحافة السعودية إن خالد المالك لم يكمل المشوار الذي اختير له في مطلع حياته وهو الدراسة العسكرية التي ربما كانت ستأخذه بعيداً عن الصحافة! وقد أمضى من عمره سبع سنوات في المرحلة الابتدائية والمتوسطة يدرس العسكرية، لكنه لم يتحمس لمواصلة ذلك المشوار، ومع ذلك يمكن القول إن هذه السنوات السبع التي قضاها في دراسة العسكرية لم تكن استثماراً ضائعاً فلعلها هي التي جعلت منه مقاتلاً عنيداً ومنافساً شديداً وقوياً في ميدان الصحافة وعلمته الانضباط والدقة والتخطيط الاستراتيجي كما علمته كيف يصمد في وجه العواصف التي واجهها في معترك الصحافة، وكلنا نعرف كيف كان يعود مظفراً منتصراً في معاركه التي خاضها بشرف وكرامةٍ.
- (يتبع)