المدينة المنورة - واس:
أدرك حسان بن ثابت -رضي الله عنه- الجاهلية والإسلام، وعاش مئة وعشرين سنة مقسمة بين العصرين. قالت عنه العرب قديمًا: أهل يثرب أشعر أهل المدر وحسان أشعر أهل المدينة، وبيته أعرق بيت في الشعر بين العرب، حيث لا يعهد أن ستة في نسق واحد كلهم شعراء غير سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام فهؤلاء كلهم شعراء. في هذا التقرير تواكب وكالة الأنباء السعودية (واس) توجّه وزارة الثقافة بتوثيق المواقع المكانية في المملكة التي عاش فيها الشعراء العرب، من خلال لافتات إرشادية وتعريفية تربط بين هذه المواقع التراثية وشعراء عصر ما قبل الإسلام وبعد الاسلام، ومن بين تلك المواقع موقع الشاعر حسان بن ثابت، الذي يُعرف بـ «شاعر الرسول» -صلى الله عليه وسلم-. وُلد حسان بن ثابت المُكنى بأبي الحسام في المدينة المنورة في القرن السادس الميلادي، ونشأ في أسرة كريمة من قبيلة الخزرج، تميّز بموهبته الشعرية منذ صغره، وأبدع في نظم القصائد التي تتغنى بأمجاد قومه وتاريخهم، وبعد إسلامه كرّس شعره للدفاع عن الإسلام والرد على خصومه، فكان لسانًا ناطقًا ببلاغة الإسلام وحكمة رسوله الكريم. وبحسب الباحث في تاريخ المدينة المنورة عزالدين بن محمد المسكي، فإن حسان بن ثابت -رضي الله عنه- يعود لبني مغالة من بني النجار من الخزرج، وكانت منازل بني النجار في المسجد النبوي الشريف وما حوله، واشتهر من حصونهم وآطامهم أُطم فارع، وكان في موضع باب الرحمة حاليًا غربيّ المسجد النبوي. وكان حسان قبل الإسلام شاعر الخزرج ينافح عنهم ويرد على شعراء الأوس في الأيام والحروب التي وقعت بين الحييّن الأوس والخزرج، وقد وصف نفسه بأبلغ وصف حين قال رضي الله عنه:
لِساني وَسَيفي صارِمانِ كِلاهُما
ويبلغُ ما لا يبلغُ السيفُ مذودي
وأما في الإسلام فكان شاعر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد اختص بهذا اللقب بين الشعراء، فكان بلسانه المدافع والمنافح عن حمى الاسلام، والذائد والمادح لخير الأنام.
وكان قويًا في ألفاظه، بارعًا في حُسن نظمه، يدل عليه ما روته عائشة -رضي الله عنها-: قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «كَيْفَ بِنَسَبِي؟» فَقَالَ حَسَّانٌ: لأَسُلنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ، وكان نتيجة ذلك ما روته عَائِشَةُ رضي الله عنها بقولها: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِحَسَّانَ: إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ»، وَقَالَتْ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى»، فكان شعره أشد من وقع السهام في جنح الظلام، وقد قالت العرب إن أنصف بيت في الشعر هو قول حسان:
هجوتَ محمدًا فأجبتُ عنهُ
وعندَ اللهِ في ذاكَ الجزاءُ
أتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍ
فَشَرُّكُما لِخَيْرِكُمَا الفِداءُ
ولفؤاد المستمع أن يطرب حين يسمع قوله مادحًا النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ
إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ
فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ
ومما اشتُهر به حسان رضي الله عنه هو الدفاع عن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك قصيدته العصماء، يقول في مطلعها:
عَفَت ذاتُ الأَصابِعِ فَالجِواءُ
إِلى عَذراءَ مَنزِلُها خَلاءُ
وفيها يقول:
هَجَوتَ مُبارَكًا بَرًّا حَنيفًا
أَمينَ اللَهِ شيمَتُهُ الوَفاءُ
فَمَن يَهجو رَسولَ اللَهِ مِنكُم
وَيَمدَحُهُ وَيَنصُرُهُ سَواءُ
فَإِنَّ أَبي وَوالِدَهُ وَعِرضي
لِعِرضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ
ومن جميل ما نظمه حسان في المدينة واصفًا طبيعتها الطبوغرافية ومميزاتها الزراعية والعمرانية، في شعر مركز العبارة شامل المعنى:
لنا حرة ٌ مأطورة ٌ بجبالها
بنى المجدُ فيها بيتهُ فتأهلا
بها النَّخْلُ والآطامُ تجري خِلالَها
جداوِلُ قد تعلو رِقاقًا وجَرْوَلا
إذا جدولٌ منها تصرمَ ماؤه
وصلنا إليهِ بالنواضحِ جدولا
على كل مفهاقٍ خسيفٍ غروبها
تُفرّغ في حوضٍ من الصخر أنجلا
له غلل في ظلِّ كل حديقة
يُعَارضُ يَعْبُوبًا منَ الماءِ سَلسَلا
إذا جئتَها ألفَيْتَ في حَجَرَاتِها
عناجيجَ قبًا والسوامَ المؤبلا