-1-
في الممرات.. شيخ يلملم ما ظل من وجهه, نسوة لم يثرثرن بعد، وطفل يشاغب أشياءه، فتية آمنوا بالغوايات، كوب رديء الصناعة، سلسلة من ملفات ثبت الهوية، نمل يخزن قوت الشتاء, وقول ركيك لساعي البريد المحمل بالأغنيات الحميمة، ظل شحيح يداعب أنثى على حين شك مريب, وجسم كئيب كقنينة الحبر ويرمق حسناء تلمع في خدها قبلة الحب في حين يشعل سيجارة بامتعاض لذيذ, وصف طويل البائسين، ارتأوا أنهم من فتات الحياة، ويسعون للهجرة الأبدية.
-2-
في الممرات لوحات (فان جوخ) تعطي المكان حضورا بهيجا، وورد يلامس روح العشيقات, حارس أمن بدين يعابث أذنيه في حالة الصفو، باب من الزان يخشع للعابرين امتثالا، عطور فرنسية لا تباع ارتجالا، موسيقى (لموزارت) تنسال ضوءا, وفي ردهة البهو وجه بليد تعالى على ذاته مثل حرف نشاز تشكل من خارج الأبجدية.
-3-
في الممرات لا شيء يجدي.. أباجورة لا ترى النور, سرب من الحشرات القميئة تأوي إلى الجوع، منفضة للسجائر تخلو من الروح، ذكرى توارت عن الضوء، عن حالة البائسين، عن القبح حين يجلل وجه الحقيقة, عن صوت مقترفي الحب، عن أغنيات المدائح، والمارقات اللواتي تلبسن صمت الفضيلة، والمؤمنين الكسالى، ومن غيب الظن آثامهم خشية، والموالين للأولياء، ومن سربلوا في الغياب، وساروا إلى حتفهم دون أن يوغلوا في الخطيئة.
-4-
في الممرات لا وجهَ في الظل, لا واحةٌ للبكاء، ولا صورةٌ في الجدار، ولا بابَ يفضي إلى الموت، لا صبيةٌ في المقاهي، ولا طفلةٌ تذرع الخوف, لا حرفَ يأخذ بعد الخرافات، لا كلماتٌ لها وجهتان، ولا أغنياتٌ جريئة.
-5-
في الممرات صوت وحيدٌ، وحيدٌ.. صدى خافت للحكايا يبلل ما جف من طرقات الحفاة، وقول وحيدٌ.. ولا ثم ما يشبه الشك.. طفل لقيطٌ.. وأم بريئة.