لم يكن عابد خزندار، فقاعة من فقاعات الحداثة في ثقافتنا، ولم يكن أيضا نبتا من النباتات الصحراء إبان طفرة الثقافة في بداية السبعينات. بل كان مشروعا ثقافيا ناجحا، ومن رواد جيل القنطرة أو الجسر، ممن تبنى حركة التغيير وإعادة قراءة الأدب، بناء على رؤية نقدية تنهل حداثتها من جذور تراثنا النقدي، بمعرفة مطلقة، ورؤية مستقبلية واقعية لمشهدنا الثقافي، كان فيه لصيقا بالمشروع الحداثي الغربي، ومنفصلا عنه، وما أهله لذلك اطلاعه الدؤوب، ومتابعته الدؤوبة، لتلك التجربة، مترجما لمفازاتها، ناقلا ومفسرا لرموز مصطلحاتها وإشاراتها. والخزندار، ناقد واع، عمل على تطويع المعاني، وتبسيط المفاهيم، من خلال قاموس معاصر سلس اللغة والعبارة، وهو قارئ عالي الثقافة. لم يدع يوما أنه ممن صنع الحداثة في ثقافتنا، رغم أنه من الذين بسطوها وجعلوها قريبة وملائمة لبيئتنا، فالحداثة كما قال الشاعر الكبير محمد العلي لا يمكن أن يصنعها فرد أو جماعة. وأن المجتمع هو الذي يصنعها ويخلقها بإنتاج مبدعيه. فليس هناك صانع للحداثة بل مشارك في مشروعها، والمشاركون في ثورة الحداثة كثيرون منهم وفي مقدمتهم (الخزندار)، والذين جاؤوا بعد مرحلة الحداثة الحجازية المبكرة، يوفونه حقه ولا ينكرون جهده فأكملوا مسيرة الحداثيين الأوائل، لأن معنى الحداثة في كل شيء يؤخذ من معنى الحياة التي تبني صيرورتها وتكوينها بناء على المتغيرات البيئية وانعكاسات تطورات كل التيارات. وإلا أصبحت الحياة كماء البحيرة الراكد الذي يصبح آسنا بانعدام تيارات الهواء التي تحركه وتغير توجهاته.
خلال فترة الثمانينات الميلادية وفي أوج عطاءات الحداثة وفورة توهجها، كان عابد خزندار وعبدالله الغذامي وسعيد السريحي يحركون تيار الحداثة من نادي جدة الأدبي. حتى أصبح النادي في نظر الأصوليين والتراثيين والرافضين لثورتها معقلا من معاقل الحداثة، وصرحا من صروحها،وقد قام هؤلاء الرموز بتصدير إبداعاتهم وأفكارهم وقراءاتهم، عبر منبر النادي فأشعلوا نشاطاته (المحاضرات، الأمسيات الشعرية والقصصية والقراءات النقدية) المثيرة والمستفزة للكثيرين،والتي كان لها أثرها وتأثيرها في منجزنا الثقافي والإبداعي.
في عام 1408هـ (1988م) ألقى الأستاذ الخزندار ضمن نشاطات النادي محاضرة بعنوان(نظرية الإبداع) وكانت من المحاضرات الساخنة والتي أجاب فيها على أسئلة شائكة في قضية الإبداع وقراءة النص والعلاقة بين النقد والإبداع. وكان الأستاذ الخزندار قبل محاضرته هذه، قد طرح أفكاره وبدأ في نشر نشاطه النقدي الفكري، من خلال مشاركته في نشاطات النادي ومداخلاته وحواراته، في أمسيات إبداعية، لمبدعين كانوا على عربة الحداثة،كمحمد العلي،عبد الله الصيخان، محمد جبر الحربي،محمد الثبيتي، أحمد عائل فقيهي، محمد زايد الألمعي وعبدالله الزيد، وعبدالله با خشوين وعبدالعزيز الصقعبي، وجار الله الحميد، وسعد الدوسري وحسين علي حسين، وقد سعدت بقراءاته النقدية.وكانت للخزندار رؤيته ونبؤاته لإبداعات المرأة،وكان نادي جدة قد افتتح بجرأة لم يسبقه فيها ناد أدبي آخر، قاعة نسائية لمشاركة المرأة نشاطات النادي. فقرأ حداثة ابداع فوزي أبو خالد، أشجان هندي، رجاء عالم، ثريا العريض،شريفة الشملان، نجوى هاشم ورقية الشبيب.
إن عابد خزندار ليس شاهدا على طفرة الثقافة والإبداع الأدبي وقراءة النصوص، وإنما هو أحد إهم صناعها. ولازال تراثه المنشور والمخطوط شاهدا على عطائه ونجاحه في مشروع الحداثة وما بعد الحداثة.