في مسار حركة الثقافة الجديدة في بلادنا وحركة النقد تحديدا لا يمكن القفز عن أسماء كبيرة ساهمت واعتنت بهذه الحركة، وقدمت إنجازات لافتة وكبيرة تستحق منا التقدير والاحترام والإجلال ومن أبرز هذه الأسماء الأستاذ عابد خزندار والذي وإن كان جاء إلى الكتابة والنشر متأخرا لكن كان مجيئه إيذان بتدشين وعي جديد وذهنية جديدة ورؤية جديدة ولغة مختلفة تجلت في كتاباته وترجماته والتي جمعها فيما بعد في كتبه ومنها: قراءة في كتاب الحب حيث نجد أنفسنا أمام كتابة جديدة تختلط فيها كل أنواع الكتابة ما بين السردي والحكائي، لكنها كتابة تستند إلى حصيلة معرفية هائلة وعميقة تتصل اتصالا مباشرا بأحدث النظريات النقدية الجديدة.
والأستاذ عابد من القلائل الذين يفهمون ويعرفون ما معنى الحداثة وما بعد الحداثة عبر ذلك الوعي الحاد والجاد بالثقافة الغربية ليست عبر وسيط ( الترجمة ) لكن عبر اتصال مباشر باللغة في جذورها الأولى، جذورها المعرفية والتاريخية والحضارية بمفاهيم ومصطلحات المدارس النقدية الجديدة.
مشكلة الأستاذ عابد أنه متواضع أكثر من اللازم وصامت أكثر مما يجب وهارب من دوره الفكري والتنويري والثقافي أكثر مما يجب مشكلته أن الكتابة اليومية سرقته من تقديم الكثير مما لديه، ذلك أن ثقافة عابد أكثر وأكبر من حضوره، لكنه يعمل بصمت مدوي وحضور مضيء، وفي مجمل الكتب التي ألفها بدءا من كتابه : الإبداع أو كتابه رواية ما بعد الحداثة أو مستقبل الشعر موت لشعر أو كتابه معنى المعنى وحقيقة الحقيقة وكتابه حديث الحداثة وانتهاء بقراءة في كتاب الحب. فنحن أمام مثقف كبير ومن طراز فريد، يبرز ذلك في ثقافة تراثية عميقة مع وعي بهذا التراث وفهم باللغة العربية وأسرارها ومعانيها ودلالاتها خاصة الشعر العربي القديم وتتكامل صورة المثقف عابد خزندار مع ثقافته التراثية إطلالة على الثقافة الغربية في النقد والشعر والأجناس الأدبية الأخرى، والشعر العربي الحديث.
وفي كتابه الجديد « معجم مصطلحات السميوطيقا» الذي قام بترجمته وصدر في القاهرة عن المركز القومي للترجمة يجد المرء نفسه أمام عمل جدير بالالتفاف والاهتمام به والتنويه عنه.
لقد قدر لي في فترة من الفترات تحديدا في الثمانينيات ونهاياتها أن أقترب من هذا الرجل الكبير ثقافة ومعرفة، والكبير بأخلاقه وتواضعه ونبله وبتلك القيم التي يؤمن بها إيمانا مطلقا في الالتزام والاستقامة، واستفدت منه استفادة التلميذ من الأستاذ وعلاقة الموج بالبحر وعلاقة البحيرة بالمحيط.
وكثيرون هم الذين يهرفون بما لا يعرفون في قضايا الحداثة وما بعد الحداثة والنقد الحديث في بلادنا، لكن قليلين هم الذين يفهمون وعلى اطلاع وأهمهم الأستاذ عابد خزندار. كثيرون هم الذين يمكن القول: إنهم أقل قيمة مما هم عليه إنهم في الواجهة نعم. لكن هناك من هم أكثر قيمة ومعرفة ولكن يقفون على الهامش دون صخب ودون ضجيج.
وإذا قمنا بتقييم حقيقي لحركة النقد والثقافة الجديدة في بلادنا في السنوات الأخيرة سوف نجد أن عابد خزندار واحدا من الذين أسهموا إسهاما كبيرا في هذه الحركة بما أضاف وبما أضاء.