تمهيد:
تستحق أبا سهيلٍ (مجد) ما بلغت، فأنت معطاء في التنمية (كُتَب) لا كتاب، ودكتور في (التخصص) ما شاء الله، و(وزراء) في المناصب، وجمال في (الروح)، ومجيدُ لرقيق (الشعر).. الخ ، قال البحتري:
يُنبيك عن قرب النبوة هديهُ
والشيء يخبر بعضه عن كله
فماذا أقول بعد كل ما قيل سلفاً، أو في ما جاء.. في ملحق الثقافة على الأخص - عدد 273، وختام عدد 274-.
ويكفي أن لك من اسمك نصيب كما قال ابن عباس.
فقد جاء في لسان العرب: غزا القوم غزواً وغزواناً وغزاوة، سار إليهم قاتلاً وناهباً فهو غاز وغزيّ - جمعها غُزاة-.
لكن حسبي أو هو (دين) من متابع لمثلك عليّ.. - وصديقك من صدقك - أن أُصارحك:
لا يغرنّك ما تلقى.. من صيت (ذائع)، ولا تأخذك عزة.. ما تلقاه من حامد (جامع)!، فإنه:
لا مجد في الدنيا لمن قلّت.. علاقاته - اليوم -.. لا ماله!، مع الاعتذار لخليصك (1) شعراً: المتنبي.
ومع هذا ف - عزّة النفس ظاهرة لديك
وقبل أن آخذ منك موقف (فصل) (2) فأسلبك شيئاً مما نلت، أوجّه إليكْ هذه الأسئلة:
أولاً: أُريد أُداخلك - أو بعد، من (باب) قولهم:
قالوا في الأدب (ما أنصفك من ذكر سيئاتك ولم يذكر حسناتك) - والعكس صحيح.. كما أظن!-
فإني أحسب مما يحسب لك أبياتاً (أنا) علقتها من أوّل قرآتي لها، أحسبه إحسان منّي لما أحسنت!، كما.. وأحمد لك اعترافك - ذلك المحسوب لك -
المحفور لدي: (أنا محظوظ جداً.. إذا حفظ لي الناس بعد مئة سنة.. بيتاً واحداً).
ف.. أُبشّرك أنك لديك ملكة.. الشعر، أقول هذا بكل ثقة.. أجل . أيها الغازيُّ- لمملكة الشعر- قال (أمي تان): (يهرب كثيرون من خلال الأدب.. كأنه منقذ، لكنهم يفتقرون إلى الموهبة) –.. التي أنت تمتلكها، لا المتشاعرين المُغرّرين بذم كلا من طاولهم بحق! فيسقطوا، حين أرادوا أن يسعفوا أنفسهم ب (...)، لأن:
من ادّعى بغير ما هو فيه
فضح الامتحان ما يدعيه
وقبل أن أثري ما (لكم) عن هذه، أثري بهذه:
و(قد) لا.. آتي بمزيد، حين أُعيد:
مقصد (تهتم العرب بالبديهة وتُعلي من قيمة البليغ الصاقع، ذلك الذي يجري الكلام على لسانه جريان الماء في غزارته وسهولته وعذوبته وعزفه على أشجان القلب وأوتار الحس.
لذا كانت العرب تحتفل لبزوغ نجم شاعر مثلما تحتفل بانتصار مؤزر..
فهو (إعلامٌ) متنقل، ومكتبة توثيقية ستُبقي ذكرهم على مر العصور عبر تناقل الشعر وروايته وتوريثه لمن بعدهم.
كما وأن مقاييس الذكاء في العصر الحديث تعوّل كثيراً على (البديهية) والثراء اللفظي، وتُعدّه إحدى دلالات الذكاء والنجابة المهمة..
كما تعتبر انتظام المعلومات والكلمات في صياغة جميلة موهبة تشير إلى وادي (عبقر) وأهله، ولم تحدد هذه المقاييس نوع اللغة دارجة أم فصيحة، ولذلك كانت العرب تجعل من الشعراء الذين يعملون على تنقيح قصائدهم عاماً كاملاً يقلبونها ويعدلون فيها تجعلهم أدنى من سادة الشعر الذين يقدحون الشعر ويرتجلونه من ذهن صاف لماح.. تثري الكلمات والمعاني المميزة على ألسنتهم حتى لتلهث وأنت تلاحق هذا الشعر الجميل الذي يختصر حذق ذلك لهم) – من منقولي، بتصرف-
أقول هذا، لأن ما جاء في مقدمة كتابك (القفص الذهني) عن الموهبة ما يكفي شافع لما ذهبتُ إليه.. عما لقيتْ بعدْ من تبجيلك- وما أفلحت أُمّة لا تُقدّر دُهاتها، ولا تُقيم عَلَماً.. يعلوا على بأسنّته أعلامها.
كما وأقدّر لك ذلك الاقتراح: أن يوضع كتيب قاموس لغوي -مع التلميذ-:
يكبر كل ما ارتقى سنّ دراسته، وكان مرماك من ذاك: أن يكون لديه كنز لغوي يوازي - أيها ال.. غازي- ما لدى لغته من كمّ للمفردات.. بين لُغات العالم، فهذا.. (حلٌّ) يُحسب لك إقداح فكرته.
أيضاً مما أحسبه لك بالفعل (طاقة) المتابعة - التي أسأل الله أن يبارك لك فيها،.. وفيها نموذجين -
وهو في سياق حمد، ما قالته الأديبة أحلام مستغماتي أو هي تفاجأت ب:
(ثم ذات مرة أجرت معي مجلة (الوسط) اللبنانية مقابلة مطولة كان عنوانها (أنا امرأة كسولة لا ألهث خلف شيء فتأتيني الأشياء لاهثة) وطلبني الدكتور غازي القصيبي ليقول: أنه لا يُقال في العربية (كسولة)، بل (كسول).
وأقول - بالنيابة عنه- لا تعجبي فالرجل العاشق.. للغة (الضاد) والوزير السابق - كان لحظة إهدائي الكتاب - والوزير اللاحق و..، قد أسدى إليّ ملحوظة قدر البعوضة: ما ورد في كتابي (ديوان البيان) تصويب صاحب بيت لبدوي الجبل إلى صاحبه الأصلي (الأخطل الصغير) - إلى هذه الدرجة لديه أو يحاول أن يبالغ في الدّقة-
علامات (3) (في حقكم):
الأولى: ملكة العطاء: موجزاً عن (العودة لكلفورنيا سائحاً):
ومن خلاله.. يُقدّم (القصيبي) برهاناً على أن البلدان المتقدمة والغنية بوسعها أن تهدي للإنسانية كلها ما يسعدها مثلما هي (ديزني لاند) في كاليفورنيا.
وهو- مرمى أن الحضارة الإنسانية - التي أسهمت في صناعتها كل الشعوب - ستظل باقية في العالم، عسى أن ترفرف عليه في خاتمة المطاف رايات العدل والمساواة والكرامة الإنسانية بخاصة حين تنتصر أو تحكمها راية الحق..
الثانية : ملكة الإثراء: ففي اقتراحكم (قاموس) مُصغّر يُعطى كل تلميذ، يكبر - القاموس.. مع تقدم الطالب علياً، هو في (قمّة)- وقد تقدم.. عنه- ما أحسبه لكم.
الثالثة: ملكة الإنجاز: فما قدمته (كوزراء) أعطف الألسنة حمداً لكم عليه، لما لا يحتاج إلى إثراء عنه بقلمي (الصغير). وإن كان لكتابكم (خطوات على طريق التنمية) عنواناً كافياً.. لهذه النقطة.
ولإن كان بعض جهدكم في (وزارة العمل) - مؤخراً- اصطدم بأهواء.. نقدت،- فقط-.. لأنها: لم تقف على الطريق المستقيم،.. لتُقيّم (بتجّرد) ما قدّمتم (4).. فلتطمئن أن نعيقها.. لا يُردّ له صدى!
الرابعة: ملكة الإدارة، ويكفي - موجزاً عنها- كتابكم: (حياة في الإدارة) - الذي لقي من المتخصصين بخاصة: الصدى الكافي.. -
الخامسة: شعراً، وأحسبها (زبدة) ما أعطفني،.. وقد أطلت في شواهده أو قل (إبحاري) لأنه مركز تخصصي (5).. أو إعجابي.. بعطائك:
1).. ف لأقرأ ليس لكم ولكن لاختيارات من قرائكم، أبدؤها من فوق:
(خمس وستون) (6) في أجفان إعصار
أما سئمت ارتحالاً أيها الساري
أما مللت من الأسفار، ما هدأت
إلا وألقتك في وعثاء أسفار
2).. وهذا متعاطفة مع بني البشر:
طويتُ بصدري عبء الوجود
فيوشك خطوي أن يعثرا
كأني خُلقتُ لسحّ الدموع
وجئت لأحمل هم ال ورى
أحسُّ بأن ابتسامي حرام
إذا ما التقيت بدمع جرى
وإن سهرت مقلة في الظلام
رأيت المروءة أن أسهرا
والبيت الأخير يدل على روح الإيثار، وأن لا مطر يُحسب، إذا لم يروّ التراب (كلّه) - كما نظم (المعري).. في نفس المعنى -
فلا هطلت عليّ ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
فهذه تُحسب لكم (في تجاوز المعاناة الخاصة إلى مُعاناة الآخر) - خروجاً من (الأنانية) المقيتة-، وأجمل من ذاك الحديث : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) صدق من أُعطي جوامع الكلم.
3).. مدخل- أن شخصية الشاعر قد تطغى عليه في بعض الأحيان النادرة فتسبب له بعض المصاعب، ويحدث ذلك عندما تستفزه مشاهد الظلم والتعسف كما كان الحال في قصيدته الشهيرة عن استشهاد الفتاة الفلسطينية (آيات الأخرس) وفيها يقول:
انتحرتم؟! نحن الذين انتحرنا
بحياة.. أمواتها الأحياء
أيها القوم! نحن متناً.. فهيّا
نستمع ما يقول فينا الرثاء
أيها القوم! نحن متنا.. ولكن
أنِفت (7) أن تضمناً الغبراء (8)
وأحسب البيت الأخير (زبدة) ذاك الرثاء!،.. والتي علّق عليها (السيد ولد أباه) ب:
(كتب القصيبي هذه القصيدة الرائعة وهو يومئذ سفير لدى الملكة البريطانية، ويُحسب للملك الراحل فهد بن عبد العزيز و.. ولي عهده آنذاك الملك الحالي عبدالله بن عبد العزيز أنهما تعاملا مع الاحتجاجات الخارجية على نص القصيبي الذي حملت عليه الأوساط المناوئة للعرب بروح الحاكم المتسامح الذي يقدر للشاعر رؤيته وحقه في الإبداع والتعبير، على عكس ما هو سائد في دنيا العرب).
وعذر آخر- يشفع لهذا الشاعر-، قال مهدي الجواهري:
وإن صدقت فما في الناس مرتكباً
مثل الأديب، أعان الجور فارتكبا
4) وشاعرنا كدأب أكثر الشعراء مُعتزٌّ بشعره مفاخر به، فهو القائل:
أتذكرين إذا ما غبت في سفري
أني خلعت على عينيك سحرهما؟!
.. وأنني قلت في عينيك قافية
ما استوطنت ورقا لولاي أو قلما؟
وأنني كنت في العشاق.. أعشقهم
وكنت في الشعراء المفرد العلما؟
وكنتُ بين حبيباتي الأعف هوى
الأجمل.. الأنبل.. الأصفى.. الأرق فما؟
شعري كحسنك لا يخبو شبابهما
لم تشك ليلى ولا مجنونها هرما
.. ولِلهِ (درّ) هذا الإبداع، ومُبدعه..
ومهما يكن الرأي في هذا الضرب.. ثم التفعيلات- التي تنقّل بينهما (الشاعر)-، فقد يغيب النقد.. أمام هذا (التفخيم) للأنا!
8) مداعبة:
لابد للشاعر من لحية
تُنبئ في الخمسين عن عُمْره
تُعْلِنُ للناس ذِهاب الهوى
وحُلوه أكثر من مُره
الشيبُ للشيبِ فما بالله
في شَعره دبَّ وفي شِعره
-.. وفي (العجز) الأخير جناس.. لا يخفى -
وهنا أشعل شخصكم.. (حرباً) أو قُل بدأت ملحمة اللحية الشعرية..، فكتب أحدهم راثياً:
ما رأينا قبل هذا..
لحية عاشت قليلا.
مثلما لحية غازي..
لم تدم عمرا طويلاً
ولدت ذات صباح
واختفت عنّا أصيلا
5) و.. هذه الشكوى:
آه يا (سلمى) انظري ما تركت
خطوات الدهر في هذا الأديم
انظري الوجه الذي تذرعه
كل يوم عربات من وجوم
انظري العين التي إن ضحكت
عصرتها قبضة الدمع اللئيم
وهنا عودي الذي شاب فما
راقصت أوتاره غير الهموم
6).. وإن أنسى، فلا أنسى (بديعٌ) لكم والتي أثبتُّها في كتابي: (ديوان البيان):
وتلوحين.. فأنسى أنني
خبرٌ أصبح في ذمّة كان
ويعود العمر طفلاً جامحاً
ليس يلويه عن اللهو عنان
..كيف أرجعت شبابي كله؟
كيف أوقفت مسيرات الزمان؟
(لأعراضنا) أبا يارا، بل ما تطوّقتم به.. - إن سمح لنا بهذا المجاز- أهل اللغة.-
(1) بالمناسبة- سبق أن أرسلت لكم مع الأخ الحبيب والأديب حمد القاضي - حفظه الله - كتابي (فارس الكلمة: المتنبي).. لعلكم تذكرونه.
(2).. وإن كان قولي معللا بما قاله مهدي الجواهري:
وفيما قال من حسن
وسيىء يكثر الجدلُ
*
(4) كما في عنوان مقال – ربما لا تنسوه – (ما قدّمه غازي في ثلاثين سنة، هدمه في ثلاثة أشهر)-.
(5) أحسب أن لازال لديك ديواني أو كتابي: في تذوق الشعر: (ديوان البيان )- فلعلك تُلقي عليه إطلالةً أخرى-
(6) أي: من العمر - بارك الله لك فيه، وفيما بقي، وأحسن لنا ولكم الخاتمة..-
(7) حتى يقول أحد قادة الدفاع عن فلسطين: (لأرضها أكرم وأزكى من أن تُسقى بدماء.. مثل هؤلاء القادة)!
- يعني.. في العدوان الأخير على غزة، وما لقيت من تهاون بعض قادة العرب.. -
(8) أنظر مُجاراتي – نثراً – في الجزيرة عدد 13265 ص34 – بعنوان: غزة (دروس) حال النكبة!
عبد المحسن بن علي المطلق
mohsnali@yahoo.com.