مع ما يمكن ملاحظته من عدم اهتمام في مجتمعنا بالفنون مقارنة بالرياضة أو الشعر على سبيل المثال، قد تستغربون من أن هناك جماعات أقل ما يقال عنهم أنهم يسعون بلهفة للبحث عن منابع تعليمية وتثقيفية للفنون، يكفي أن تنظر في وجوه الأمهات والفتيات المقبلات لحضور الأنشطة التي تُعنى بالمواهب الفنية، وهو ما ألمسه باستمرار من خلال الأنشطة التي أشارك في تنظيمها أو إدارتها، وآخرها المخيم الإبداعي الصيفي الذي تقيمه اللجنة النسائية في وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة الإعلام، كنشاط يقام لصالح تنمية الإبداع عبر الفنون التشكيلية أو الأدبية.
هذا بالطبع لا يشمل ما أتلقاه باستمرار من رسائل أو مكالمات عن الأبناء الموهوبين في المجال الفني والذين لا يجدون متنفسا لهذه الموهبة أو أداة تطوير لها، إضافة إلى بعض الشباب والشابات الذين بالفعل مارسوا المجال أو أحبوه ولكن لم يجدوا مجالا لدراسته بشكل احترافي.
ولنعلم أن للفن مكانة حيوية في أي حضارة، وأعتقد أن إهمالنا لهذا المجال المهم هو ما دفعنا للخلف عبر القرون (إضافة للفقر وضعف الموارد وشح البيئة بصرياً)، بل أن الفن الإسلامي الذي نتفاخر به لم ينمو في مهد الإسلام، إنما نما في مدن شامية ومصرية وفارسية ومغاربية! ولم ننل سوى ما عاد إلينا عبر الحجاج المهاجرين الذين أقاموا في المنطقة وعمروها بمخزونهم الثقافي.
واليوم وفي وقت لم نعد نعاني الفقر، بل تفتحت أمامنا نوافذ ومنافذ بصرية غنية، وفي الوقت الذي نبني فيه حضارة قرن جديد من صروح تعليمية وتبني الموهبة والاختراع، لا تزال رعايتنا للفنون أقل ما يقال عنها أنها مخيبة للأمل، لولا بضع جهود من وزارة الثقافة والإعلام أو من بعض الجهات الخاصة أو المهتمين بالفن! وحيث لا نستطيع أن نغير اتجاه الجماعة سوى من خلال تغيير الأفراد فذلك يعني أن علينا وعليكم كآباء وأمهات، يا من تبحثون عن من يرعى مواهب أبنائكم الفنية، علينا جميعا تغيير فكر هذا المجتمع تجاه الفن وأهميته، من خلال المطالبة بتكثيف حصص التربية الفنية، وتنويع مجالاتها، وحث المدارس على القيام بزيارات للمتاحف والمعارض بدلا من (مدينة الألعاب!)، وإدخال تاريخ الفن كمادة أساسية في التعليم العام، ومحو فكرة تحريم الفن! التي شربناها سنين جهلاً وسوء تفسير، فهو ليس ترفيها أو تجميلا، إنما باعث على الإبداع والثقافة فوق ذلك كله يعلمنا كيف نتعامل مع الآخرين دون رفع السلاح!.
msenan@yahoo.com
الرياض