نعيش في العالم العربي فوضى الجوائز العلمية، فكثيرًا ما نسمع عن منح فلان جائزة ما، وبعد حفل التكريم وحصوله على الجائزة بقيمتها المالية والأدبية نفاجأ بالكارثة وهي أن العمل الذي فاز بالجائزة قد مسه طائف من الشيطان وسرقه صاحبه. وفي هذه الأيام كتب الناقد الأستاذ عبدالله السمطي لينوّه عن السرقة التي وقعت في كتاب الدكتور حفناوي البعلي، (مدخل في نظرية النقد الثقافي)، وأنه قد أغار على العديد من المصادر والكتب وكان من أهمها: كتاب الدكتور عبدالله الغذامي وهو يأتي في نفس اتجاه المؤلَّف الفائز بالجائزة، وبناء على ما وصل إلى أمانة الجائزة فقد قررت سحب الجائزة من الدكتور حفناوي ولي بهذه المناسبة تعقيب أضعه بين يدي القارئ:
أولاً: إذا كانت أمانة الجائزة قد اطمأنت إلى ما وصل إليها من تقارير بشأن تحقق السرقة، وبناء عليه فقد قامت بسحب الجائزة، وهذا حق لها طبعاً ولا أحد يمانع في هذا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستبقى اللجنة كما هي في الجائزة، دون أن تمس في كرامتها العلمية «وينالها من العقاب جانب»، وهل ستسحب منهم القيمة المادية -على الأقل- التي كانت مقابلاً لهم لهذا التحكيم الوهمي؟؟ أم أن الجائزة ستعاقب هؤلاء أيضاً بمنعهم التحكيم لمدة مثلا لا تقل عن مائة سنة ؟؟.. والغريب الذي أدهشني وجعلني أقلب هذا الأمر كثيراً أن الدكتور الغذامي الذي «سُرق» كتابه في وضح الشمس -وعيني عينك- على حد تعبير حليمة مظفر - هو أحد أعضاء اللجنة الاستشارية - وأنا واحد من المعجبين بالرجل قيمة وقامة - وقد أخبرتني إحدى المثقفات أن الغذامي قال بأنه ليس فاحصاً للعمل ولذا فهو غير مسؤول عن ذلك، ووظيفة اللجنة الاستشارية أنها تحيل العمل إلى فاحصين، وفي الحقيقة هذا التبرير إن كان صدر عنه فهو لا يمكن أن يعدد مبرراً مقبولاً لنا بأي شكل من الأشكال، وفي ظني أن اللجنة تتكون على الأقل من ثلاثة من الأساتذة - أقصد القمم العلمية المشهود لها بالاطلاع والتبحر والكفاءة، ألا يوجد في أحدهم - وخصوصاً الغذامي - من لُفت نظره إلى العنوان، هل اللجنة لا تنظر إلى الأعمال، ولا حتى في عناوينها على الأقل؟؟، أم كيف أنها تحيل أعمالاً إلى لجان دون أن تعتبر على الأقل التخصص الدقيق في الكتاب المرشح وكيف يعلمون وهم لا يقرأون، أرى أن البعلي ليس متورطاً وحده -إن كان متورطا- وإنما يجب أن تتورط معه اللجنة الاستشارية وتتورط معه اللجنة الفاحصة التي فحصت العمل - أقصد لم تفحص حتى أنها لكثرة علمها وعملها أيضاً لم يتبين لها علاقة عنوان الكتاب المرشح بعنوان كتاب الغذامي المشهور هو وكتابه، حاسبوا اللجنة على تقصيرها قبل أن تحاسبوا البعلي، وإن كنت اشعر في النهاية أن سحب الجائزة ربما يكون صوريا نتيجة للضغوط والانتقادات التي وجهت للجائزة، فلا شيء بات مصدقاً في جوائزنا العربية على مستوى كل الدول لا أستثني منه قطراً.
ثانياً: معايير الجوائز في العالم العربي عشوائية أو قل تخلو من الضوابط والشروط الواضحة، وإن كان ثمة شروط فهي شكلية وغير مفعلة، إضافة إلى ما فيها من شروط مفصلة أحياناً على أحد الأشخاص الذين يراد لهم الفوز بالجائزة والشواهد على ذلك كثيرة.
ثالثاً: التحكيم الوهمي للجائزة، ولا أقصد جائزة بعينها، وإنما توضع أسماء لعلماء كبار -على مستوى الشكل- حتى تضيف الأسماء ثقلا للجائزة - وليس هناك فحص حقيقي لنتاج المتقدمين، بل ربما كُتبت التقارير - وهذا ليس بغريب - دون أن يرى المحكم شيئاً إلا الأجرة التي سيأخذها بعد التوقيع على التقرير -ربما- المعد سلفاً، ولعل هذا يفسر ما حدث في جائزة الشيخ زايد.
رابعاً: لقد تعددت أنماط السرقات الأدبية في العالم العربي، على كل المستويات، فعلى المستوى الأكاديمي حدث ولا حرج، حيث أصبح سمة واضحة تمتاز بها المؤسسات الأكاديمية في العالم العربي، ولم تراع الأعراف العلمية في ذلك، بل في بعض البلدان العربية يكرم السارق ويكافأ على صنيعه تشجيعا من الدولة له، بل لم ينج الجانب الإبداعي أيضا من هذا فباتت سرقة القصائد والروايات والقصص واللوحات الفنية أكثر من أن تحصيها مقالة مثل هذه، مما جعل الأمر مستشرياً بشكل فظ وغريب على قيمنا وأعرافنا، مما جعل حال الثقافة في المجتمعات العربية متردياً ورديئاً.
خامساً: يذكرني كلامي مع أحد المثقفين:» من أمن العقوبة، أكثر من السرقة في البحوث مع الزيادة في قلة الأدب»، بحالة الاستهتار في التجني العلمي والأدبي الذي بات من أهم الدوافع التي تدعو للسطو العلمي، وكذلك ضعف الرقابات الإدارية، وعدم تفعيل أو سن القوانين الرادعة التي تجرم مثل هذا النوع من السرقات العلمية، ومن الدوافع أي ضا التي أراها هو اللهث وراء الجوائز بهدف الحصول على القيمة المالية دون الاهتمام بالتفاصيل الإبداعية، ولعل أصحاب الجوائز ينتبهون لهذا الأمر ويفك الارتباط بين القيم المالية والتشجيع الأدبي.
سادساً: على إثر هذه الواقعة وهي سحب الجائزة من البعلي قدّم الدكتور عبدالله الغذامي استقالته من الهيئة الاستشارية في جائزة الشيخ زايد بعدما أثار الناقد اليقظ الأستاذ عبدالله السمطي هذه القضية، والحقيقة أن استقالة الغذامي في هذا الوقت بالتحديد يمكن أن يكون لها أكثر من قراءة بعضها قد يكون مبررا، والآخر يأتي بشكل يستحوذ عليه الحدس والظن، فهل أتت استقالة الغذامي نتيجة شعور بأن اللجنة قد قصّرت عن أدائها الذي كان من الواجب أن تقوم به في ظل الأمانة التي ألقيت على عاتقها من قبل أمانة اللجنة؟؟ أم أن الاستقالة جاءت نتيجة لأحاديث الكتّاب والمثقفين حول هذه القضية وتناول أطرافها المترامية، ولعل أهمها هو عدم وجود تصريح صريح للدكتور الغذامي يجلي حقيقة هذا الأمر؟؟ أم أن استقالته جاءت لتؤكد أن عمل اللجان الاستشارية في الجوائز الكبرى غير محدد وغير منضبط، ولذلك أتت الاستقالة بعد تلك الفترة؟؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى لعل الأستاذ الدكتور الغذامي قد يوضحها لقرائه.
* جامعة الملك عبدالعزيز
Abeed1974@hotmail.com