تكشف لنا الومضات، والبارقات، والحِكم، عن صاحبها ومطلقها، وعن قدرته على رصد الواقع الذي لا يمر عليه سريعاً، وكذلك عن قدرته على الاختزال والتكثيف، وعلى جرأته وشجاعته في الحق، ورغبته في التغيير نحو مجتمع جدير بشموس العالم والغد.
وهي تكشف لنا هنا، مع القاصة شيمة الشمري، وتحديداً في مجموعة «ربما غداً» الصادرة عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي في طبعتها الأولى عام 1430.. عن كاتبة لماحة شديدة الذكاء، شديدة الانشغال بالتفاصيل، مهمومة بما حولها، وما يشكل ما حولها.
وهي نزّاعة إلى مجتمع مثالي معافى، ليس أفلاطونياً، ولكنه في الأقل صادق مع نفسه، وذلك عبر قراءة مجتمعٍ غير مثالي كسائر المجتمعات التي مرت بمراحل المرض والقطيعة والتخلف والجفاف، ثم عادت مع استتباب الأمن، والوحدة، ووفرة المال تصارع لتثبت جدارتها بالبقاء، مع ما يعتري ذلك من تناقضات وازدواجية، وتضارب في المصالح والآراء، في ظل ضمور العالم إلى قرية صغيرة مكشوفة السقف، يتحكم فيها الإعلام والتقنية والاقتصاد، ولا يجدي معها الحجر والحجز والمنع.
وربما يمكننا القول الآن وليس غداً، أو أننا نستطيع القول الآن إننا أمام كاتبة مبدعة، سيكون لها شأن كبير إذا ما راكمت تجربتها بوعي مماثل كالذي ابتدأت به، واستطاعت التمييز والتفريق بين اليومي والعادي في اصطياد التفاصيل، وبين العادي والمألوف في الكتابة والتجسيد. إذ يحتاج ذلك إلى جرعات من الخيال والحنكة والدربة، لتظهر لنا لؤلؤ الكلام من الكلام الصرف، أو المادة الخام.
ما الذي تحتاجه شيمة الشمري التي تحضر الماجستير في الشعر إضافة إلى ذلك، أظنها تحتاج إلى مساحة أكبر للتعبير، وقدر أكبر من المتابعة المنصفة، واحترام أكبر لتجربتها المختلفة، وقناعتها التي تبدو متصادمة مع كثير مما تجسده الساحة وهما، فيما تختبره وتعيد صياغته حقيقة، وإن كانت ترمقه عن بعد.
وما يدهشنا في كل ذلك أنه رغم صغر عمر التجربة، إلا أنها استطاعت أن تختصر ما استغرق من الآخرين عمراً لاستيعاب ساحة ثقافية تعج بالمتناقضات، وذاك لعمري شدة الذكاء، وشدة القناعة والإصرار على المضي بثقة عالية، لا تمنعها من الاستماع للصوت الآخر، والنهل من التجارب الثرية الأخرى. لأنه متى ما ميز المبدع بين الثقة بالنفس التي لا تهتز، وبين الغرور المرَضي الذي يؤدي إلى الاكتفاء السرابي الخادع، صعد إلى المكانة التي يصبو إليها، وبها يسمو.. ترفده الينابيع والخبرات المضيئة، وإلا سقط في قاع الانغلاق والتقوقع والثبات على غير موقف دون أن يشعر، بينما هو عار ليس من الأدب اللغوي البديع فحسب، بل من الأدب الأخلاقي، تكشفه عيون الآخرين الساخرة، ويتجاوزه العابرون دون التفات.. أو حتى دون التفاتة شفقة مواسية.
وبالعودة للمجموعة نجد أن الكاتبة شيمة الشمري تنقل لنا عبر عينها الكاشفة، تفاصيل المجتمع، والعلاقة بين الرجل المرأة، لكنها تركز كثيراً على الساحة الثقافية وشخوصها: « قال لها كوني قصيدتي الجميلة.. وضعت رأسها على صدره، وهي ترى خيالاً لعشرات القصائد تقفز هنا وهناك، والشاعر واحد!! شعرت بغصة.. غادرت بهدوء..».
mjharbi@hotmail.com
الرياض