البارحة جالسني غازي فوق بحيرة ماء، منحته زهرة ومنحني كلام وكان في القلب متسع للبهجة، كلما طوق الصخب ألفاظنا، عدنا نفتش في دمنا الحراك، في وقتها مرت بنا فراشة تتغذى من رحيق البنفسج والياسمين، اشرأبت ومدت على وجه الماء اذرعها، تسالنا معا عن الماء الخجول، اهو مثلنا؟ رمينا بعض الحصى فانداح الماء، توسدنا سويا رماد الذكريات، لأصحاب مروا من هنا في العتمة والسر وما عاد يمرون، أوقدنا شمعه، ابتهجنا كثيرا بكتاباتنا التي قلناها وزينا بها مدن الوطن الحسان، وكيف كانت أغنية الحب الأصيل، والكتابات التي فيها الجميل، وكيف مر علينا الدهر وما مر ثقيل، كيف فتحنا حناجرنا للريح، كيف حاولنا أن نصرخ، كيف أبنا بأننا عاشقون لحيطان الوطن حين نصحو من سحر لنعمل كالجمر المتقد لأننا نحب الوطن مثل سنبله متوهجه بخيوط القمر، ونحن نكاسر بالفصحى كل همومه وشجونه ومبتغاه، كيف شدت حناجرنا مبلله بالندى على هضاب الوطن ووهاده والمنحنى، حين بدأت الشمس تنسكب من نافذته، وكيف أسرجنا للوطن الشموع لأنه علمنا القراءة والكتابة وأعارنا الدم والشعر والزهو والاشتعال، وكيف جعلنا نركض كالغزلان في البراري نبحث عن عشبه الخلود، وكيف ظفرنا جدائل الشمس له طويلا، وجمعنا له طويلا ضياء القمر، لأنه وطن في جناح اليمام، عسل ونور وضفة نهر وفانوس اشتعال وغيوما تمطرنا وردا وحمام، ولأنه وطن ينبت العشب فيه وينمو، وتكبر أضواء المدينة، ويذوب الجليد، ويكبر فيه البياض، ولأن فيه كرنفال ماء، ونصوص توق واشتهاء، وتوحد وتجاسد وهناء، وقرنفل وبخور وآيات عظام وسناء، ولأن شجره الرخيم وتضاريسه لآلئ ورؤى مبخرة بمطر السماء، يطير حمامه، يحط حمامه، كيفما أراد وكيف شاء، البارحة عندما جالسني غازي فوق بحيرة ماء، أوقدنا سراجا للفرح، وقنديلا للبهجة، وتسامرنا، كان صوته موجعا وحزينا، لكنه ليس محبط ولا مقهور ولا يائسا ولا مهزوزا، غازي الذي عشق البحر، ولدته أمه كنخلة باسقة، بين أصابعه فاضت الكلمات، وارتوى الشعر، وامتلأت الصباحات قصائدا تشبه الرطب الجني، يهش على فراشات القلوب النائمة لتسابق الشمس في الحقول اليانعة، يذهب بنا إلى نهاية المطافات، يده على أول القصيدة، وقدمه على أول الباب، يرسم الوجوه، ويرمي الاتي بالامنيات، يقطف ورده ويمنحها لأول قادم يجيء، قصائده تشبه الطيور، لكنها لا تطير، غازي أيضا لا يطير، لكنه يحلق في فضاءات الحكمة ليمنحنا تباشير الفرح، غازي يا أبا سهيل ياراس العشق والفكر والتأمل يازنبقه الحب التي تناجي نافورة عطر يتمادى في البوح، يالذي ينساب مثل قطرة ندى على أعواد الغصون، يا متوهجا مثل رعشات الفجر، يا متوغلا في البياض، البارحة عندما جالستك فوق بحيرة الماء، أيقنت بأنك لن تغفو على وسادتك وفوق رأسك شمس، حتى تصوغ لنا النشوة والفرح، وتواجه الهواء والنهار من جديد، لأنك لم تكن في يوم ذا قلب راهف، أو عين واجفة، أو كنت متمددا في الأسى.
رمضان جريدي العنزي
ramadanalanezi@hotmail.com