قد تتجلى الظاهرة اللغوية في جملة من الأنماط التي يقتضي النظر الوصفي أن تكون متناظرة، غير أن جمهرة النحويين نزعوا إلى اعتماد نمط من هذه الأنماط نمطًا رئيسيًّا، وأما بقية الأنماط فرد إليه بكيفية من الكيفيات التي عمادها التقدير والنيابة. ومن أمثلة هذا الاتجاه في منهج التقعيد عندهم ما قرره سيبويه في العلامة الإعرابية؛ إذ جعلها الحركات القصيرة (الضمة، والفتحة والكسرة)، وكذلك (السكون)، وهي قد تظهر على بعض الألفاظ وقد لا تظهر فيقدرها على حرف الإعراب تقديرًا، وقد يظهر بعضها فيكون تعليل تخلفها بثقل أو تعذر، ويصار إلى تقديرها أي افتراض وجودها. وما صنيع سيبويه في نظره إلى العلامة الإعرابية سوى سعي إلى تعميم هذا النمط من العلامة، على أن غيره من النحويين تعددت عندهم علامة الإعراب كالإعراب بالحروف في التثنية وجمع السلامة والأسماء الستة، وهي مما يقدر سيبويه العلامة فيها.
ويسعى هذا البحث إلى الوقوف على الظواهر النحوية بمعناها العام الشامل للدرس النحوي والصرفي ليرصد الأمثلة البارزة لتلك الظواهر التي عمم فيها نمط من الأنماط، فكانت أحكام هذا النمط هي المعيار الذي ينطلق منه في التقعيد وتحليل التراكيب. وسيعمد البحث إلى قراءة ناقدة لمنجزات النحويين في هذا الميدان بغية الوصول إلى تفسير علمي أدنى إلى طبيعة اللغة، فيه سهولة التناول وفيه إقناع للعقل.
وليس تعميم النمط من حيث هو فكرة أمرًا مدفوعًا؛ إذ هو من طبيعة التفكير الإنساني بعامة، بل قد تكون له منافعه التصنيفية حيث تزوى المتشابهات في إطار عام يسهل استيعابها، ولكن التعميم قد يهب شيئًا من العنت في الأحكام وتضييق الواسع؛ ولذلك يعد هذا البحث وصفًا لمنهج من مناهج التفكير النحوي ونقدًا لجزئيات ما كان نتاجًا لهذا المنهج سعيًا إلى إعادة بناء النحو العربي، وفي المقابل الاستفادة من تعميم النمط في ظواهر أخرى حقها أن تكون في إطار واحد كالنظر إلى الفاعل وتعميم المصطلح المطلق عليه بغض الطرف عن العلامة الإعرابية الظاهرة عليه، وكتعميم تصنيف الحرف على الرغم من تعدد عمله الظاهر. ولما كان الموضوع متناثرًا في ثنايا الأبواب النحوية فإنه سيكتفى بأبرز الظواهر الدالة على ذلك.
الرياض