حوّاء في شعر الغزل
... شاعر من الأحساء... شفيف شفافية الجداول التي تصخبُ بالغناء وهي توحي بهمسها أنها تُغني للريح والأشجار والدّوالي والأراك والغيد الحسان.. إنه الدكتور الشاعر راشد المبارك.. صوته يوازي سحر التربة التي كونه الله عليها تلك الغادة السمراء الفاتنة بنخيلها وعيونها... لقد أبدع شعراء المملكة بأشعار الوجد والنجوى وهمسات الغزل كما أبدعها شعراء آخرون على امتداد الأرض العربية.. كل عاش غزله كما يُحبُّ وناجاه بما رف في جوانحه، وغناه بهواه ذاك المتدفق في أعماقه كبحيرة الصفصاف والخزامى.
د. راشد المبارك.. اخترنا من غزلياته الرقيقة قصيدته (عطش النهر).. والمثبتة في (المجلة العربية) والتي تحمل رقم عددها 275 والصادرة في ذي الحجة 1420هـ الموافق ابريل 2000م. والقصيدة منشورة على الصفحة 16 في المجلة المذكورة.
وللشاعر المبارك عدة مجموعات شعرية.. يتسم شعره بجزالة الألفاظ، ورشاقة العبارة، وموسيقية التراكيب، ويعتمد على المفردات السهلة الجميلة المحببة للنفس والذات، وغزل رشيق شفيف.. سلس العبارة.. ذو غنائية طلقة الأبعاد والصدى.. ومن حلو شعره أنه يلامس وجدان قارئه، ويغوص في شغاف قلبه، وينأى عن الحشو واللغو والعبارة المبهمة والغامضة والرمز المغرق بالغيبي وغير المقروء.. شاعر يغني فستمع لشعره العصافير والبلابل والغدران والأرواح وكل شوق للحب والحياة..
عطش نهر
أُدني كيانك من قلبي وأشربه
أحن للموجتين السود.. للغرق
ظام إليك وسكناك جوانحه
قلب من السكر من عينيك لم يفق
يا لؤلؤ الحسن... دفق الضوء رنقه
قبل المغيب انسكاب اللون في الشفق
ويا نضارة زهر ماج في مرح
وعودة الرفة الجذلى إلى الحذق
ونسمة حملتها كف سوسنة
ففاح منها ضجيج العطر في الطرق
وعودة الروح في نفس حشاشتها
تبددت ما بقى منها سوى رمق
ضمي إليك جناحاً هده سفر
شوقا إلى أيكة مخضلة الورق
قد كنت قبلك طيراً ما ارتضى غُصناً
ترتاح أجفانه فيه من الأرق
حتى نزلت على صحرائه مطراً
فجن زهر وجن الروض من ألق
**
يا فتنة اسكرت نجماً وصافية
من الجمال ومال السكر بالأفق
وكرمة صدحت أعنابها فرحاً
ويا عناقيد لم تقطف ولم تذق
ويا أريجُ بها جن الربيع به...
وطمخ الورد بالألوان والعبق
صبي بهاك بقلب لا ارتواء له
واطفئي فيه ما لاقى من الحرق...
***
تلك هي غزلية (عطش نهر) للدكتور راشد المبارك نختارها من بين القصائد الغزلية العربية، ونثبتها في دراستنا هذه لأنها مغناة رشيقة وشفيفة وجميلة البهاء والعبارات.. غزلية من درجة رفيعة ورصينة تعيش في وجدان قرائها على أصدائها المُعطرة..
الرياض
/td>
