لعله من القلائل الذين تستطيع قراءتهم دون أن تلتقي بهم؛ ففي سمته وسماته ما يغنيك عن أسبار وأخبار، وتكاد تجزم أنه هادئ، متواضع، ناء عن الأضواء، عملي، ذو قضية ومبادئ؛ حتى إذا سألت عنه وقرأت فيه صدق الخبر الخُبر، وأيقنت أن العنوان قد يدل مثلما يُضل، وهو - في حكاية صاحبنا - مبين أمين.

ينحدر من إرث عائلي ذي شأن، ومن لا يعرف (بيت نصيف) في جدة؟ ومن يجهل دور الشيخ الجليل محمد نصيف (1302-1391هـ) في مرحلة التأسيس السياسي كما في مرحلة تركيز النهج السلفي والعناية بالعلم وأربابه والإنفاق على تهيئة الكتب طباعة ونشرا وخدمة للباحثين، عدا كرمه ووجاهته وإجماع الناس على حبه، وكان من أولاده من تولى هيئة الأمر بالمعروف وإدارة الأوقاف، وفي هذا معنى مهم لمن يقرأ تاريخ العمل بهما أو من خلالهما.

رحم الله الشيخ الراحل ومن مضى من أبنائه، وأطال في عمر الأستاذ الدكتور عبدالله بن عمر ابن محمد نصيف (1358 هـ - جدة) المتخصص في الجيولوجيا (بدرجة الدكتوراه من جامعة ليدز البريطانية)، وهو أستاذ الجامعة وأمينها ووكيلها ومديرها ورئيس رابطة العالم الإسلامي ونائب رئيس مجلس الشورى ونائب رئيس مركز الحوار الوطني ورئيس مؤسسته الخيرية الخاصة والناشط في حقول الإغاثة والإعلام والدعوة الإسلامية.

ألف كتبا في العلوم والشريعة والتعليم والشيوعية والتضامن الإسلامي، وفاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وحاز وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، ووسام الهلال من باكستان، وقدر الناس اعتذاره عن العمل الرسمي ليفرغ للعمل الإنساني مستعيداً سيرة أسلافه ومذكراً بالخطيِّ ينبته وشيجه على طريقة زهير الذي آمن بالخير إرثاً وموروثاً.

له أبحاثه المتخصصة في الصخور النارية والمتحولة والجرانيت، ونشرت له مجلة الجمعية الجيولوجية الأميركية، ويحمل عدداً من شهادات الدكتوراه الفخرية من السودان والفلبين وماليزيا، وهو مشارك نشط في الجمعيات العلمية المتخصصة، كما هو معني بالأنشطة الكشفية، ومن يتابع مسيرته الحافلة سيصعب عليه الإلمام بمنجزاته التطوعية المحلية والعربية والإسلامية والدولية فقد شارك في أكثر من ثلاثين جمعية وهيئة ومؤسسة، واستعراض أسماء بعضها لا يأذن به حيز المكان.

هذا الرجل لا يعلن عن نفسه بإشارة أو عبارة؛ فهدفه رضا الله، وقضيته خدمة أمته، وحكايته امتلاء بالمكانة وتسخير للإمكانات، وبه وأمثاله نتقدم بنماذجنا الوضيئة أمام بني أبينا وبني عمومتنا وبني جيراننا؛ فبهم نصدق ولهم نصفق ، لا على طريقة الفرزدق أمام جرير ففي كل خير، بل بأسلوب أبي ريشة حين دعته فتاة الطائرة للانتساب بعدما حدثته عن قومها الصيد الذين هم قومه، لكنهم أضاءوا زمنا ثم أظلمنا بعدهم، وفي مثل الدكتور عبدالله نشعل عود ثقاب.

التاريخ إرث نعيه ولا ندعيه.