لعلها طبيعة الفعل الثقافي؛ لا يُسلم قياده لمن يجري عليه علامات النصب والجزم والرفع والسكون؛ ليبقى حرا لا تحكمه قواعد الفاعل والمفعول به، وهو ما يجعل محاولات مَأْسسته عصية على من شاءه قرارا أو ظن فيه استقراراً.
هكذا تثبت الأيام أن التحكم به تنتهي بتمرده على التنميط الرسمي مؤذنا بصيغ أخرى للتفاعل والمفاعلة والتفعيل لا تأتمر بما يصطلح عليه التراتبيون الذين لا يجيزون تقدم الفاعل على الفعل، وللمفارقة يقدمون المفعول به؛ فكأنهم يثبتون أن (قواعد) الحياة بلا منطق وإن ضجت بالنطق.
توطئة تحتاج إلى حوار لا تتسع له الساحة قبل المساحة؛ فُلنَعدِّ عنه لنتأمل في (شخصنة أو فردنة) الفعل الثقافي التي استطاعت تقديم نماذج ناجحة في إطارها المحدود لعلها المؤشر الذي قاد الغير لمحاولة فصل الثقافي عن الرسمي ولو بشبه الرسمي تحت مسمى (هيئة) أو جمعية (أو (مركز) أو (مؤسسة).
صاحبنا نموذج محرض على ما يمكن أن يقوم به الفعل الثقافي الفردي؛ فأسس مركزه للثقافة والتراث حتى بات علامة مضيئة في المشهد الثقافي العربي، وكان هاجسه الأول هو الفقراء من الطلبة والباحثين الذين لا يستطيعون توفير مبالغ المراجع والكتب، بعدما عاش تجربة تعليمهم (مجاناً)، وأسهم قبل ذلك في تأسيس المكتبة الوطنية بدبي، وفتح مدارس ثانوية لأبناء المعوزين من الوافدين، وارتحل بحثا عن المخطوطات، وأمن أجهزة لترميمها، ويحكي الرقم عن آلاف الطلاب الذين يحظون برعايته في التعليم العام والجامعي والدراسات العليا، و(بحسبة سريعة) فإن من درسوا وتخرجوا يزيدون على عشرين ألفا ؛ منهم خمسة آلاف تقريباً من كلية الدراسات العربية والإسلامية المعادلة من (الأزهر) و(كلية دار العلوم) بجامعة القاهرة، وهذا جانب واحد من جوانب أخرى تتصل بتأسيسه الجمعيات الخيرية المخصصة لذوي الحاجة.
في مركزه أكثر من نصف مليون كتاب وما يزيد على مئة ألف مخطوط وبضعة عشر ألف كتاب ومخطوط فارسي، ورؤية صاحبه أن يسافر الكتاب لمن يريده وليس العكس مثلما اعتدنا، وإسهاماته في دعم المراكز الثقافية العربية تتوازى مع جهده في مركزه.
ابتدأ الأستاذ جمعة الماجد (1940 - دبي) ثروته بسبع مئة روبية قرضا من خاله المنتمي لعائلة (الغرير)؛ فأنعم الله عليه بفضله، فوجه جهده بل جهاده للعمل التعليمي والمعرفي والثقافي فما كان رجلا في دولة بل دولة في رجل.
كرمته جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وجائزة سلطان العويس، كما كرم في معظم المحافل العربية والعالمية بما يستحقه، وسعينا في (المجلة الثقافية) إلى إعداد ملف عنه منذ أكثر من عام، لكننا -بخلاف ما يتوقع المتابعون- نواجه صعابا كبيرة في الاستكتاب للأحياء ؛ حتى إذا دقت ساعة الأجل دخلنا في مسابقات (الركض ) للتأبين والتبيين فوا حسرة البيان على الإنسان.
أطال الله عمر الشيخ الماجد؛ فقد بارك الله له في الوقت والقوت، ونفع به نموذجاً لأثرياء الطفرة والوفرة الذين يتبارون على المتاع الزائل، حتى إذا مضوا لم يبق ما يخلد ذكرهم أو يبرر شكرهم.
الفاعل مصدر الفعل.
نشرت في زاوية إمضاء في العدد 300 بتاريخ 04/03/2010م