الحديث عن السيد جمعة الماجد حديث طويل ومتشعب، لا يكاد يقتصر على منحى واحد منه؛ وذلك راجع إلى شخصية السيد جمعة الماجد المتشعبة الميول والاهتمامات والعطاءات.. فهو تاجر ناجح أسس في التجارة شركات ومؤسسات حققت نجاحاً وساهمت في إبرازه في المجتمع الاقتصادي في الإمارات بوصفه واحداً من أهم الشخصيات الاقتصادية المعاصرة، وكان يمكنه الاقتصار على هذا النجاح في هذا المنحى والاستزادة منه، ولكنه لم يقنع بما حققته له التجارة من تفوق ونجاح، وإنما جعلها سُلَّماً ليرتقي على درجاته لكثير من الشؤون والنشاطات المجتمعية المميزة التي كان له فيها نصيب وافر من الاهتمام الشخصي والعطاء المذكور والمشكور، وذلك ما يلفت النظر فيه حقيقة؛ فهو نموذج طيب وقدوة رائدة لكثير ممن يعملون في مهنة التجارة ويحققون فيها نجاحات بألا ينسوا نصيب مجتمعهم وناسهم من حيز اهتماماتهم وعطاءاتهم.. وإنه ليمكن لي أن أؤرخ بجمعة الماجد لكثير من مناحي الاهتمامات المجتمعية بحروف من نور وخطوط من ذهب، ولست مبالغاً في هذا أبداً؛ فجمعة الماجد من الشخصيات المجتمعية النادرة الذي استطاع أن يملأ فراغاً في كثير من المجالات، وأن يكون فيها قدوة حسنة لغيره ومثالاً يُحتذى به لرجال الأعمال وأعيان البلاد من الذين أفاض الله عليهم من نعمه.. فبقدر ما تشغل جمعة الماجد مصالحه في تحقيق نجاحات فيها بقدر ما هو مشغول بقدر أكبر بكثير من الاهتمامات في مجالات خدمة المحتاجين، هذا الهاجس الأكبر الذي يشغله منذ زمن طويل ويحتل حيزاً كبيراً في وجدانه وعقله واهتماماته؛ فمنذ تاريخ مبكر وفي أوائل الستينيات تداعى جمعة الماجد مع ثلة من زملائه الخيرين، على رأسهم المحسن الكبير محمد عبدالله القاز، وأنشؤوا جمعية خيرية تُدعى (الجمعية الخيرية العربية لمساعدة المحتاجين والفقراء) في وقت كانت الحاجة فيه ظاهرة وماسة في مجتمعنا، وقاموا من خلالها بتقديم أشكال من المساعدات للأسر التي هي في أمسّ الحاجة إلى مَدّ يد العون والمساعدة، ومن ضمنها قيامهم بتوفير مجموعة من سيارات اللاندروفر ذات الدفع الرباعي تجوب أنحاء البلاد لإيصال المرضى إلى المستشفيات وإعادتهم منها.. فمنذ ذلك التاريخ كانت حاجة الناس تشغله وتسكن ضميره الإنساني وتثير بالغ اهتمامه، وبمرور الوقت يتسع مدى اهتمامه الخيري فيقوم بإنشاء مدارس خيرية في البلاد تُعنى بتدريس أبناء الطبقة المحتاجة من الوافدين، بدأها في دبي، ومن ثم اتسعت لتشمل الشارقة وعجمان، وأنشأ لها مباني دراسية لائقة تتوافر فيها جميع متطلبات الدراسة الحديثة؛ لتستوعب في رحابها آلافاً كثيرة من الطلبة والطالبات، ولشدة الإقبال وكثرة الدارسين أصبحت الدراسة فيها على فترتين، بعضهم في الصباح، وبعضهم في المساء.. ولم يكتف - حفظه الله - بما تحقق على صعيد هذا العمل الخيري المهم والمفيد لقطاع من أهم القطاعات التي تحتاج إلى الاهتمام والتنمية والمشاركة المجتمعية؛ إذ أقدم على خطوة على القدر ذاته من الأهمية والإيجابية؛ فأنشأ كلية الدراسات العربية والإسلامية؛ لتساهم في تدريس وتخريج آلاف من الطلبة والطالبات في درجات البكالوريوس ثم الماجستير والدكتوراه. ومما قد لا يعلمه بعض الناس أنه إضافة إلى مجانية الدراسة في هذه الكلية يمد جمعة الماجد يده في شيء من السرية لمساعدة كثير من طلبتها وطالباتها بإعانات شهرية ثابتة تساعدهم على مواصلة دراستهم.. ومن أهم ما يمكن أن يؤرخ لجمعة الماجد تبنيه وإنشاؤه مركزاً ثقافياً كبيراً يُعدّ صرحاً ثقافياً متميزاً، ليس على مستوى الإمارات فقط، وإنما على صعيد الوطن العربي عامة، أطلق عليه اسم (مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث)، استطاع من خلاله تحقيق ميوله ورغباته في جمع الكتب والمراجع الثمينة النادرة وتوفيرها للباحثين في كل مناحي الفكر والثقافة، وبمجانية دونما مردود سوى تشجيع الباحثين على الدراسة وإنجاز مهامهم العلمية والثقافية.. ومن أهم ما في المركز مخطوطاته الكثيرة والثمينة التي بذل جهداً كبيراً في تتبعها في كل مكان، وبذل في الوصول إليها والحصول عليها ما وسعه من الجهد والمال؛ ليوفرها في هذا المركز بمجانية للراغبين من الباحثين.. إضافة إلى ما يقوم به من شراء مكتبات كثيرة لشخصيات فكرية وثقافية بارزة، استطاع أن يجلبها إلى المركز ويحفظها به بطريقتها ذاتها وبأسماء أصحابها؛ تخليداً لأسمائهم وتواريخهم حتى أصبح بذلك المركز منارة إشعاع ثقافي في الإمارات وجذاباً للزائرين ومناط فخر واعتزاز لكل مثقف يرى هذا الجهد الفردي لإنسان واحد ينتج مثل هذا العمل الضخم والنتائج المبهرة فيه، التي ربما عجزت عنها دول ومؤسسات، لكنها - بحمد الله - تحققت بصورة جميلة وفاعلة على يديه؛ حيث أصبح المركز أحد أهم المواقع التي تهم المثقف والمفكر أن يزوره ليعجب بما فيه من نفائس ودرر في مجال الاهتمام بجمع المراجع والمخطوطات التراثية وترميمها والمحافظة عليها وتوفير مجال واسع للمهتمين لأن يحصلوا على كل ما يريدونه من مواد علمية وثقافية بكل يُسر وسهولة.. لقد استطاع المركز أن يرتبط بكثير من المكتبات العالمية لتوفير الفرصة للباحثين للتواصل مع هذه الدور لتحقيق رغباتهم فيما يحتاجون إليه من مراجع ووثائق ومواد علمية.. وإنك لتبحث في عالمنا العربي ومن خلال مؤسساته الكبيرة لتجد مثل هذا النوع من الاهتمام بالفكر والثقافة والكتاب عموماً؛ فلا تكاد تجد شبيهاً لهذا العمل العظيم بكل المقاييس الذي استطاع جمعة الماجد أن يحققه واقعاً على أرض الإمارات، وبجهد فردي وتمويل ذاتي واهتمام شخصي منه؛ حيث غدا هذا المركز مَعْلماً ثقافياً على المستوى العربي ومفخرة من مفاخره.. إن هذه الأعمال الخيرية والثقافية والمجتمعية التي اتصف بها جمعة الماجد لخير دليل على ما لهذه الشخصية من اهتمامات مجتمعية تحدوها دوافع ذاتية في حب الخير والثقافة وتسخير الجهد والمال والوقت لدعمها وإنشاء مؤسساتها والحرص على متابعتها وتنميتها بشكل متواصل غير منقطع.. وما يلفتك في جمعة الماجد أن هذا النشاط المعهود فيه بقي متقد الجذوة لا يكاد يخبو بريقه منذ بداياته حتى اليوم؛ وذلك من فرط اهتمامه وشعوره بمسؤوليته عن تنمية هذه الجوانب الثقافية والخيرية في المجتمع، التي ارتبطت به تاريخاً واهتماماً، وارتبط بها شعوراً ومسؤولية ودعماً حتى أصبحا معاً في أفضل تشبيه وجهَيْن لعملة واحدة؛ فما يكاد يُذكر جمعة الماجد إلا ويتبادر إلى الذهن كثير من أعماله الخيرية والثقافية بوصفها أجمل صورة وأبرز مثال على إنسان سخّر من نفسه وماله واهتماماته لخدمة مجتمعه وناسه بهذا الشكل الذي نراه فيه.. لا أقول ذلك إطراءً ومدحاً له؛ فأعماله أوضح ما تكون في هذه الجوانب، وأعلم أنه لا يحب المديح، ولكنها كلمة حق في غيبته لم أستشره فيها، أقولها صادقاً في حق ما يتّسم به من شعور وعمل نحو أهمية خدمة المجتمع والناس وما يقوم به من أعباء في تقديم نماذج راقية في مجال الفكر والثقافة ومساعدة الناس.. على أن كثيراً من هذه المساعدات لا تزال طي الكتمان، لا يعلمها عنه أحد إلا الله، وقد وقفتُ على جانب بسيط منها في زيارة له منذ مدة طويلة؛ إذ وجدتُ مدير مكتبه يعرض عليه أوراقاً لطلبات كثيرة من الناس لبّى كثيراً منها؛ فخرجتُ من عنده بمزيد من الإعجاب بشخصه والتقدير لدوره ومساهماته الخيّرة..
إنَّ جمعة الماجد يشكّل قدوة وصورة جميلة من صور البذل والعطاء والاهتمام والمشاركة المجتمعية، من حقه أن يبقى حياً في أذهان الناس؛ يُقتفى أثره، ويسترشد بأفعاله، ويُستفاد من توجهاته، ويحتفى به..
ندعو الله تعالى لأبي خالد بالصحة والتوفيق والسداد في الدارين.
* مستشار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للشؤون الثقافية والإنسانية