قلة أولئك الذين يرون في أنفسهم نذراً للحرف والكلمة والكتاب والمخطوط، وقلة قليلة من تلك القلة من يسخرون مقدراتهم لخدمة ذلك النذر، وبالتأكيد فإن الأستاذ جمعة الماجد هو أحد أولئك القلة، الذين آمنوا بالعلم والمعرفة، ووظفوا كل طاقاتهم الشخصية والمالية الخلاقة لرعايتها وخدمتها والحفاظ عليها، وجعلها مبذولة للباحثين والدارسين وعموم الجمهور.
إنَّ القرب والتواصل الإنساني مع الأستاذ جمعة الماجد يكشف عن شخصية إنسانية دمثة الخلق ومتواضعة، لا ترى أي حواجز أو فوارق بين البشر؛ فالرجل مسكون بخدمة الثقافة والتراث، بلباسهما العربي والإنساني، وربما يُشكّل هذا الملمح مدخلاً أساسياً للسمعة العربية والعالمية الطيبة التي حازها الرجل، وارتبطت ب «مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث» في دبي.
إن روحاً وثابة تتوافر لدى الأستاذ جمعة الماجد جعلت اسمه يقترن بمبادرات ثقافية وإنسانية، بالرغم من كون التجارة والعمل الاقتصادي يشكلان ممارسة يومية يعيشها الرجل؛ فهو - وبنظرة إنسانية بحتة محبة للعلم والتعلم - بادر في العام 1983 بإنشاء مشروع «المدارس الأهلية الخيرية»، الذي يُعنى بتعليم أبناء المعسرين والفقراء من الجاليات العربية الوافدة على دولة الإمارات العربية المتحدة مجاناً، ويبدو الأمر لافتاً إذا ما عرفنا أن عدد الطلاب الذين ينعمون بالتعلم في هذه المدارس ناهز عشرة آلاف طالب، وإن هؤلاء الطلبة العرب يشقون طريقهم إلى الحياة عبر مدارس جمعة الماجد، وأن الضياع وحده كان بانتظارهم لولا مبادرة الرجل.
في جلسة خاصة جمعتني مع العم «أبي خالد» قال لي بكلماته الهادئة:
«المرأة هي المجتمع، وتأهيل الفتاة الإماراتية والخليجية والعربية يعني تأهيل المجتمع؛ فأُمٌّ متعلمة نواة لأسرة متعلمة؛ وهي بالتالي نواة لمجتمع معافى».
لحظتها أدركت الحافز الإنساني الجميل الذي حرَّك الرجل في العام 1987 لإنشاء «كلية الدراسات الإسلامية والعربية»، بشهادتها المعادلة من جامعة الأزهر الشريف، ومن كلية دار العلوم، ومن قبل وزارة التعليم العالي في دولة الإمارات. وقد يظن البعض أنني مبالغ إذا ذكرت أن الدراسة في هذه الكلية مجاناً، وأن الأستاذ جمعة الماجد يقوم من جيبه الخاص بتوفير راتب شهري للمنتسب لهذه الجامعة، فتاة كانت أو شاباً، إضافة إلى المواصلات، وبما يظهر إلى أي حدٍ يحاول الرجل تسخير سبل العلم والتعلم لمن حوله.
إن وصول المال للبعض يكون مصدراً للبحث الدائم والمجنون عن زيادة لهذا المال، لدرجة تُُعمي الإنسان عن رؤية ما يحيط به، سوى تكديس المال على المال، وبما يجعل منه خادماً مخلصاً وأميناً لجمع مال يتركه بعد آن قصر أو طال، بينما وصول المال لأيادي البعض الآخر يعني مزيداً من العطاء ومزيداً من المشاريع الخيرية الباقية.
إنَّ قدرة الأستاذ جمعة الماجد على تلمس هموم ومعاناة أبناء وطنه وأبناء أمته العربية والإسلامية تجعله دائم النظر إلى كيفية مساعدتهم في الوصول إلى مبتغاهم، وهذا ما حرّكه في العام 1991، وبقصد توفير الكتب والمخطوطات للدارسين وجمهور المثقفين، إلى إنشاء مكتبة عامة، تطورت سريعاً لتشكل صرحاً ثقافياً وتراثياً خليجياً نعتز به، وأعني بذلك «مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث» في دبي، الذي يُعدّ اليوم واحداً من أهم مراكز المخطوطات في العالم العربي، ويمتد بنشاطه إلى مختلف عواصم العالم العربي والأجنبي.
«حين أقدم على الصرف على مشروع ثقافي لا أدري كيف يزيدني الله من فضله، ويرزقني من حيث لا أحتسب»..
بهذه الكلمات همس لي العم «أبي خالد» في إحدى جلساتنا، وزاد يقول:
«أفرح حين أشرع بعمل ثقافي تطوعي؛ فأنا على يقين بأن رزقاً ما ينتظرني».
بهذه الفلسفة وهذه الروح المعطاءة يكرس الأستاذ جمعة الماجد يومه وحياته.
إن كلمةً مني عن الأستاذ والصديق جمعة الماجد لن تستوعبها هذه العجالة، لكن لا يمكنني أن أنسى الموقف الإنساني الكبير والنبيل الذي نهض به الأستاذ جمعة الماجد لعموم أبناء الكويت، يوم وقع عليهم الحيف، من جراء الغزو الصدامي لبلدي الكويت، في ذلك الظرف المؤلم، حين فتح العم «أبي خالد» الفنادق والبيوت والأموال لاستقبالهم، والعيش بهم عيشة الكرم والعز، ولسان حاله يقول، كما هو دائماً:
«عيال الإمارات والكويت إخوان، وكلنا في سفينة واحدة».
أكثر من جائزة وتكريم ووسام حازه الأستاذ جمعة الماجد، لكن وسامه الأكبر في اقتران اسمه الكريم بحب العلم والمعرفة، وبعملٍ تطوعي خيري يحنو على الإنسان، ويرتقي به حيثما كان.
أطال الله في عمر العم «أبي خالد»، وجعله نموذجاً وقدوة حسنة لرجال جعلوا من أموالهم جسراً طيباً للعلم والمعرفة.