أزعم أن عام 2010 بالنسبة للثقافة السعودية عام الرمادة وسنة ثقافية عجفاء، مع أن مطلعها كان مبشرًا من خلال كلمة الوزير خوجة في لقاء المثقفين الأول مطلع 2010، والحقيقة أنني استبشرت خيرًا كثيرًا بتلك الكلمة واعتبرتها طالع سعد للثقافة السعودية -ومازلت استبشر الخير لكن من باب التفاؤل لا غير- وقلت: لن ينتهي العام إلا والوزير خوجة سيأتي بما لم يأتِ به الأوائل واكتشفت أنه يسير على درب الأوائل.
ولو رجعنا إلى كلمته سنلاحظ أنه حتى الآن لم يحقق منها أي شيء.
فتحديد قيمة الأشياء والأفكار تستند في كثيرها على مدى ما تحققه من تغيير أو تطوير وليس حسن النية أو الأمنيات.
ولا شك أن حق الطموح الثقافي مكفول لكل مثقف ولكل مسئول ثقافي لكنه مشروط بموضوعية الواقعية ومتاحاتها المختلفة، وما زال لدى الوزير خوجة متسع من الوقت ليثبت جديّة أفكاره.
لقد عشنا على المستوى الثقافي عام 2010 -كما أعتقد- فوضى الطموح الثقافي الذي شجعنا عليه معالي الوزير خوجة، ولا أدري هذه نقطة تُحسب له أو تُحسب عليه؛ أي إعطاء الفرصة لكل مثقف أن يمارس طموحه الثقافي دون شرط أو ضابط، وضاع وقت المثقف وهو يُنظّر لطموحه الثقافي ليكتشف نهاية العام أن الفراغ يحيط به من كل مكان. دون أي إنجاز ثقافي يسجل أنه تمّ في هذا العام.
من الأحداث الثقافية لهذا العام ظهور لائحة الأندية الأدبية، وإستراتيجية التنمية الثقافية وهما مشروعان من مخلفات الوزارة السابقة، وكما أن ظهورها كان يمكن أن يدفع المشهد الثقافي تطوير ما، إلا أن ذلك لم يتحقق لأسباب وهي فيما يتعلق باللائحة الأندية تحفّظ بعض المثقفين على بعض بنود هذه اللائحة وهو ما أدى إلى الاستقالات الجماعية والفردية، وتشكيك البعض الآخر في جدية وفاعلية هذه اللائحة لتحقيق هدف الديمقراطية الثقافية، وكما كانت اللائحة قبل صدورها وجع رأس للوزير خوجة استمرت وجع رأس له بعد صدورها ولعل حديثه في القصيم فيما يتعلق بإعادة تأهيل بنودها قد يعيدنا إلى المتاهة مرة أخرى، والمربع الأول ما بين مشكِك ومؤكِد لجدية وفاعلية الانتخابات ولعبة الحرب الباردة بين المثقفين ووزارة الثقافة.
أما على مستوى إستراتيجية التنمية الثقافية فقد مرت على المثقفين والمشهد الثقافي مرور الكرام دون أي تحليل أو تقويم، ولا أدري لماذا؟
هل لأن المثقف السعودي يعتبرها من قبيل فوضى الطموح الثقافي الذي لا تقدم ولا تُؤخر؟ أو أن الوزارة نفسها لم تهتم بتلك الإستراتيجية كقاعدة تأسيس لأجندتها الإنجازية؟ وبالتالي لم توفر لها ظروف الظهور والعرض والنقاش والتقويم من قِبل المثقفين، ولو كان الأمر كذلك، فما الهدف من تغيّيب وزارة الثقافة لهذه الإستراتيجية ولمصلحة من استمرار غياب مرتكزات التأسيس الثقافي لدينا واستمرار العشوائيات الثقافية؟.
إضافة إلى الركود الثقافي الذي عاشه المشهد والفعل الثقافيان هذا العام والتي تعددت أسبابه. منها التأثير السلبي لترويج الشائعة الثقافية الشهيرة بتحويل الأندية الأدبية إلى مراكز ثقافية والاستقالات الثقافية وترقب القائمين على المشهد الثقافي كيفية تطبيق لائحة الأندية الأدبية ومدى جدية تفعيل انتخابات الأندية الأدبية التي كانت تدور ما بين مشكِك ومؤكِد في جديتها وهو ما رفع سقف الترقب والحذّر الثقافيين وأصبح الجميع يفضل الانتظار على أن يبدأ بالتخطيط لأي برنامج ثقافي رغم بداية الموسم الثقافي، وتأخر ميزانيات الأندية وبذلك دخل المثقفون في حرب باردة مع وزارة الثقافة.
وانتهى العام وهو يحمل ذات الأسئلة التي حملها العام الذي قبله وسيحملها هذا العام الجديد عن: إلى أين وصل مشروع صندوق المثقفين؟ وإلى أين وصل مشروع اتحاد الكتاب؟ وإلى وصل مشروع المراكز الثقافية؟.
أم أن المسئول الثقافي لدينا مثله مثل المثقف مجرد ظاهرة صوتية؟ أسمع جعجعة ولا أرى طحينا.
في 2010 فقدنا مثقفين أغنوا الجانب الفكري للثقافة السعودية كالدكتور غازي القصيبي والدكتور محمد عبده يماني -رحمهما الله-.
ولو سمحت لنفسي أن أقوّم أنشطة الأندية الأدبية لعام 2010، سأقول استطاع النادي الأدبي في الرياض بقيادة المثقف الدكتور عبدالله الوشمي أن يكون الأول على الأندية الأدبية في المملكة؛ لأنه أثبت أنه الأفضل على مستوى تنوع وجودة فعالياته.
وفي المقابل عام 2010 حمل تراجعا لنادي جدة الأدبي الذي كان يسيطر على المشهد الثقافي السعودي ولا أدري لماذا؟ مع أن القائمين على النادي هم أنفسهم الذين ساهموا في رفع مستوى النادي خلال الربع الأول من الألفية الجديدة، أما نادي مكة الأدبي فسجل حضورًا متميزًا على مستوى الموضوعات لكني أعتقد أنه في حاجة إلى جهاز إعلامي يتساوي تميزًا مع موضوعاته، أما نادي حائل وجائزة الرواية فهي لا تحتاج إلا إلى تعليق واحدة بأنها «مهزلة» من البداية إلى النهاية.
ومن الواضح أن الاستقالات الثقافية من نادي الشرقية إلى استقالة الغذامي، ستصبح فيما بعد وسيلة ثقافية رائجة رغم عدم وضوح قيمتها بالنسبة للمثقف السعودي فهل هي وسيلة هروب من الواقع والمساءلة أو موقف لتفعيل سياسة المعارضة الثقافية؟.
وقبيل انتهاء العام أظهر الغذامي قضية الصراع بين المحافظين والليبراليين بعد ان كانت تدور في كواليس مغلقة وخاصة.
وعلى مستوى القناة الثقافية فما تزال تدور في مأزق المتاهة تبحث لها عن مخرج، وأعتقد أن الوزير إذا لم يتدخل في وضع إستراتيجية لهذه القناة فستصبح مرتعًا للمافيا الثقافية والفساد الثقافي عما قريب.
ومن النقاط المضيئة في هذا العام حصول الأستاذ عبده خال على جائزة بوكر العربية، وحصول معالي الوزير خوجة على جائزة أفضل وزير ثقافة عربي لعام 2010 وهو فخر لكل مثقف سعودي أن يفوز وزير ثقافته بأفضل جائزة من بين وزراء العرب.
وأخيرًا.. لست متفائلة بنهضة ثقافية عام 2011 ولست متشائمة من أن ذلك لن يحدث، لكني في حرب باردة مع أمثالي من المثقفين الذين هم محتارون في تحديد مصير الثقافة السعودي في عهد معالي الوزير عبدالعزيز خوجة الذي عجزنا عن ضبط أطر هذا العهد.
جدة
Hm32@hotmail.com