كتبت في مداخلة سابقة كيف تسجن الكتب بنشرها نشرة خاصة تحول دون تداولها، ومن الحق أن أشير إلى ما تشهده مكتبة الأمير سلمان بن عبدالعزيز في جامعة الملك سعود من قفزة نوعية في التعامل مع الكتاب؛ إذ لم تعد خزانة كتب أو بالأحرى جملة من خزائن الكتب التي تضم الكتب العربية والأجنبية المعروضة للإعارة وأخرى تضم الكتب المهداة إليها، مثل مكتبة الزركلي والشامخ والشاذلي، والمخطوطات والرسائل والكتب النادرة، فإلى جانب ما تقدمه من لقاءات علمية تنويرية تمكنت من تسخير ما تتيحه التقنية الرقمية، فالمخطوطات انتهي من تصويرها تصويرًا رقميًّا، وأضحى بإمكان الباحث والقارئ في أي بلاد الدنيا أن يطلع عليها بعد أن كان طلابها يعانون سلسلة من الرحلات في طلبها وجملة من الصعوبات، والنفقات المالية التي طالما وصفها الباحثون في تصدير أعمالهم، وأما الرسائل العلمية فهي جهود بحثية أنفق في إعدادها السنوات الطوال ونالت من الإشراف والمناقشة ما يجعلها جديرة بالنشر والانتفاع بها؛ ولكنها تظل حبيسة الرفوف قد لا يمكن الاطلاع عليها بيسر، وهاهي مكتبة جامعة الملك سعود اليوم تسابق الزمن في سبيل تصوير هذه الرسائل لتطلقها في موقعها الشبكي، وصار بإمكان الباحث الحصول على نص الرسالة أو قراءتها بل إن الموقع الذي يضمها يمكنه من كشف ما يماثل عباراتها، ولاشك أن هذا الأمر سيكشف بصدق تأثر الرسائل بعضها ببعض أو أخذ بعضها عن بعض. وأما الكتب النادرة التي تكاد توازي المخطوطات في قيمتها وأهمية المحافظة عليها فإنها ليست من الكتب التي تعار؛ بل على مريد الاطلاع عليها أن يلازم المكان، وفي هذا عنت على الباحث بل القارئ العادي، ولكن هذا أصبح حديث الأمس؛ فالتقنية الرقمية التي اتخذتها المكتبة ستجعل الباحث والقارئ يقرأ الكتاب وهو في بيته، بل إنه يستطيع أن يبحث في دقائق الكتاب عن أي لفظ يريد؛ فالموقع العارض الكتاب ذو برنامج يغني عن أدق كشاف يمكن إعداده. وتصوير هذه الكتب على درجة فائقة من الدقة، وقد أتيح لي أن أطلع على بعض الكتب المصورة فإذا بإمكان الصفحة الصغيرة أن تكبر وتتضح لمن يعاني من قراءة الأحرف الصغيرة. هذه القفزة النوعية المستثمرة لمنجزات التقنية التي أخذت سبيلها إلى التنفيذ هي أفكار وجهود عميد المكتبات الشاب المبدع ابننا الدكتور ناصر الحجيلان برعاية منقطعة النظير من مدير الجامعة رائد الجودة والتطوير الدكتور عبدالله العثمان. سألت الدكتور الحجيلان ما شأن الكتب الأخرى غير النوادر والمخطوطات والرسائل، فقال إن حقوق النشر تحول دون تحويلها إلى الشكل الرقمي؛ ولذا سيكتفى بغلاف الكتاب وقائمة محتوياته وجزء من فصله الأول، وهذا ما سيظهر للقارئ في الموقع الشبكي فيمكنه بهذا أن يلم بالكتاب إن لم يقرأه كله، وقال إنّ كل كتاب سيصحب باستمارة موجهة للمؤلف فإن هو أراد معاودة استكمال تصوير كتابه ونشره كاملا عبّأ الاستمارة. وستحتفل المكتبة قريبًا بإطلاق هذه الكتب والرسائل والمخطوطات في موقعها لتكون على طرف الثمام لكل قارئ وباحث، وهكذا تطلق الكتب.
الرياض