بعض الأشخاص يظن أن كتابة القصة تتم تحت ما يسمى (ما يطلبه القراء)، وعلى عيني ما يطلبه القراء لو كنت كاتبة مقالة اجتماعية، لكن الإبداع لا يخطط له، ولا توضع له نقاط رئيسية كما في مادة الإنشاء. قريبة تستأذنني في محادثة صديقة لها، فكان أول حديثها بعد التحية «اكتبي قصتي»، فظننتها تشكو من عقوق الأبناء، أو تأخر زواج بناتها، أو حالة اجتماعية أو عائلية تعانيها، فقلت في نفسي -مع أني لا أستحب هذه الطريقة في إملاء الإبداع- ربما أصيغ مشكلتها الاجتماعية أو العائلية برؤية فنية وبمعالجة أدبية، مجاملة لها لأنها قصدتني، لكن صدمتني أن قصتها قصة فساد قطاع حكومي يجب عدم مواراته تحت الإبداع، ويلزم به رفعُ الشكاوى ومحاسبة مرتكبيه، وليس إخفاؤه عن المسئولين، وسأذكر حكايتها الواقعية، تقول: «كنت مُرقَّدة في مستشفى حكومي، وكانت بجوار طفلة صغيرة مُرقَّدة في الغرفة نفسها، وذات يوم والستارة حاجزٌ بين سريري وسريرها سمعت حديثًا بين ممرضتين تقومان بتصوير تلك الطفلة بواسطة الجوال، فأزحت الستارة فلما رأتاني أسرعتا بإخفاء الجوال، فخفت منهما وسحبت الستارة. وبعد يومين اختفت الطفلة من السرير، وجرى البحث عنها، ثم وُجدت مرمية في الدور الثاني من المستشفى وقد اُغتُصبت» وتقول: «لقد رَعَبت ففَزَعت أهيِّئ إعدادات الخروج من المستشفى سريعًا حتى لا تنتقم الممرضتان مني بصفتي الرائية لهما وهما تصوران الطفلة، ورُبَّ يدٍ لهما في الأمر». عَنُفتُ عليها عَنافة ورفضتُ كتابة قصتها كقصة خيالية فنية، كي لا يقال خيال كاتب، والأحداث لم تحدث، وتظل المسائل على حالها. وقد أوصتْ هذه المرأة التي لا أعرف إلا اسمها الأول قريبتي -بعد عرضي عليها المطالبةَ بالتحقيق في الأمر- عدم التدخل في الموضوع لأنها من مرضى المستشفى الحكومي الدائمين.
الرياض