السفر كلمة حلوة عذبة تعني الحرية والانطلاق والمتعة والاكتشاف والثقافة والفرح والتوقعات الجميلة.. والسفر في المقابل يعني الرحيل والفراق والمشقة والتعب والمغامرة والحنين إلى الوطن والأحباب والخوف من المجهول.
وقد قيل عن السفر من الأحاديث والحكم والأمثال والأشعار ما لا تتسع له ذاكرة الناس وبطون الكتب.
يقول الحديث الشريف (السفر قطعة من العذاب..)، ويقول أحد الشعراء:
سافر ففي الأسفار خمس فوائد....
ويقول آخر: وطني ليس حبيبة وأنا لست مسافر..
وقال آخر: مسافر زاده الخيال.... ومقولة أخرى: يا مسافر وناسي هواك!
كان السفر في الماضي يحكمه الاضطرار لا الاختيار، وكانت أهم دواعي السفر للحج أو لطلب الرزق أو التجارة مع القوافل أو للحرب أو لاكتساب العلم والمعرفة وغير ذلك من الدواعي.
أما وسائله فكانت صعبة قاسية تحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل؛ لأنها لا تعدو المشي على الأقدام أو الركوب على الدواب.
أما في هذا العصر، فقد أصبحت معظم أهداف السفر اختياراً أو رغبة لذيذة، كما أصبحت الوسائل سهلة وميسورة، وتتم بأقل جهد وأقصر وقت، ومن أهم وسائله الطائرات والسيارات والقطارات والسفن، بل لقد أصبح متاحاً للموسرين السفر على متن السفن الفضائية إلى أعماق الفضاء.
وليس السفر دائماً رغبة لذيذة وأمنية غالية، فهو في أحيان كثيرة نوع من الهروب من الناس وقسوة الحياة، فالإنسان كالطيور والحيوانات، إن وجد الرزق والدفء والحب والأمان أقام واطمأن، وإن لم يجد كل ذلك فليس أمامه إلا الهروب والفرار إلى حياة رضية أخرى أو انتظار المجهول.
إن لكل وسيلة من وسائل السفر العصرية طعماً خاصاً، فكثير من الناس يرون أن السفر في السيارات والقاطرات أكثر أمناً وسلامة من السفر في السفن والطائرات، وهناك من ضعاف القلب مثل ذلك الفنان الموسوس الشهير في مصر لم يكن ليطمئن لركوب الطائرات وقيل إنه لم يركبها مطلقاً ذاك في مصر، أما عندنا فلدينا صديقنا الصحفي محمد العجيان الذي يرى صناعة الطائرات مغامرة بشرية لا لزوم لها. وقائد الطائرة ينطبق عليه ذلك البيت من شعر الشعبي: قلبه حديد وراكب له حديدة.
لكن الكثرة الكاثرة من الناس قلوبهم من حديد ولا يفضلون السفر إلا في الطائرات وهي مريحة.
وما دمنا نتحدث عن السفر فعلينا أن نذكر محاسن السفر، فالسفر يحقق للإنسان تكامل الشخصية والاعتماد على النفس والتعرف على مزيد من الأصدقاء والمعالم والبلاد واللغات والثقافات والمعلومات المدهشة والغريبة.
هكذا عرَّفه يوما لنا عاشق السفر المرحوم معالي الأستاذ محمد عمر توفيق الذي جاب العالم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. وأنا أقول: وعلى المسافر ألا يمل من السفر خاصة أن الأخبار هذه الأيام تقول إن السفر يطيل العمر ويساعد على الصحة الممتازة لكبار السن وعلى المسافر أن يتعود الصبر والاحتمال كما عليه أن يكون دائماً متفائلاً لا متشائماً، وأن يكون واسع الصدر متقبلاً لآراء الآخرين وكريماً متسامحاً وسفيراً ممتازاً لبلده في كل مكان، وعليه أن يحافظ على نقوده وأشيائه وعلى صحته وطعامه وشرابه، وأن يتجنب كل ما يؤذيه أو يؤذي الآخرين.
عزيزي المسافر: أتمنى لك المتعة والسعادة والتوفيق وسفراً سعيداً وعوداً حميداً - إن شاء الله.
الرياض