تشاءم واختلف بشأن اللائحة التنظيمية للنشر الإلكتروني التي أصدرتها وزارة الإعلام الكثير، واستبشر وتفاءل بشأنها القليل، وما يزال السجال قائماً بين من يعتقد أن الإنترنت والنشر الإلكتروني فضاءات مفتوحة وحرية مطلقه يستحيل حصرها في تراخيص ذات بعد جغرافي واضح ومن يعتقد أنه لا بد لها من تقنين وحدود، يبقى الأكيد الذي لا مجال للاختلاف فيه أنه حين نتحدث عن مسألة تنظيمية لفضاء كهذا الفضاء لا يمكننا ذلك إلا باستعراض كافٍ ووافٍ لأربعة أبعاد عامة تجاهلت بعضها أو بعض تفاصيلها اللائحة وتعرضت لبعضها الآخر، وهذه الأبعاد هي المرجعية، المحتوى، والملكية إضافة لروح هذا الفضاء ومنبع الثقة فيه ألا وهي الخصوصية والتي غابت تماماً عن هذه اللائحة.
يعتقد بعض المختلفين مع هذه اللائحة بأنها تتوهم إمكانية السيطرة العامة على فضاءات الإنترنت بالرغم من أن اللائحة حسب قراءتي لها لم تدعِ ذلك ولم تحاول ذلك لأنها حتى في مسماها المقصود والواضح ليست لائحة تنفيذيه أو قانونيه بقدر ما هي تنظيميه وبالتالي هي ما زالت مبادرة تحاول تنظيم مساحات محددة داخل نطاقها المحلي تقنياً ووفقاً لصلاحياتها الوزارية إداريا وذلك فقط لمن يبحث عن حقوق واعتراف محلي، وإلى هنا سواء اختلفنا أو اتفقنا فيما يتعلق بتفاصيل اللائحة يجب أن لا نختلف فيما يتعلق بضرورة وجودها والشكر لمن عمل على إبرازها وظهورها للعلن.
ولكن يبدو أن ما جعل البعض يعتقد بأن الوزارة تريد من هذه اللائحة إحكام قبضتها فقط على هذا الفضاء هو أن اللائحة ذكرت فقط اسم الإدارة المعنية (إدارة الإعلام الإلكتروني بالإعلام الداخلي) ولم تفصل في مسألة المرجعية واختصاصاتها الواضحة فنياً وإداريا والتي من المفترض أن تكون هي المسؤولة عن هذه التنظيمات ومراقبتها ومتابعتها فلا حدود واضحة لطبيعة المرجعيات أو نوع الصلاحيات داخل النطاق المحلي وأيضاً لا إشارة للمرجعيات العالمية المفتوحة والموجودة سلفاً للإنترنت، وعلاقتها بالمحلية إن وجد هناك علاقة، كما أن هناك ملاحظة تتعلق بالمحتوى فالمتوقع من لائحة تُعنى بالنشر الإلكتروني وبالتالي تتعامل مع محتوى رقمي مختلف تماماً في طبيعته وخصائصه عن المطبوع أن يكون هناك الكثير من التفصيل بخصوص هذا الأمر والتمييز بين المحتويين باستمرار ومع ذلك لم يكن هناك الكثير بهذا الخصوص علماً بأن اللجنة المعنية بهذه اللائحة هي لجنة النظر في مخالفات نظام المطبوعات والنشر.
بدأت اللائحة بالتعريفات الضرورية لأي لائحة لتوضيح محتواها الذي تتعامل معه ولكنها وقعت في خطأ منهجي واضح منذ البداية حمّلها وحمّل موادها التفصيلية الكثير إذ أنها تجاهلت تعريف مهم وشامل هو تعريف «الإعلام الإلكتروني» (الغريب أن الإدارة المعنية بهذا الأمر تحمل اسم إدارة الإعلام الإلكتروني) الذي يُفترض أن يكون هو المظلة التي تنطوي تحتها الكثير من التعريفات الأخرى التي ذكرتها اللائحة بعد ذلك، ومنها الصحف الإلكترونية التي يتضح جلياً من خلال هذه اللائحة المركزة والمختصرة أن الوزارة معنية ومهتمة بتنظيمها من خلال هذه اللائحة أكثر من غيرها وهذا حق مشروع وضروري مهنياً واجتماعياً ولكنها على ما يبدو تعجلت في محاولة الوصول لأهدافها من خلال هذه اللائحة ليؤثر ذلك على الكثير من معطياتها حيث أن «النشر الإلكتروني» مثلا تعريف شامل كان من الممكن أن ينطوي تحته «الإعلام الإلكتروني» من حيث هو صحفي ومهني يعتني بالخبر ومصادره كالصحف الإلكترونية وغيرها من وسائل الإعلام الجديد بشكل منفصل تماما عن ما هو نشر فكري فردي آخر (مقالات أو كتب) قد يكون بحاجة تنظيمات أو قوانين أخرى تتعلق في بعض جزئياتها بقوانين حماية الملكية الفكرية التي باتت معروفه الآن على نطاق واسع، ولكن هذا الخطأ المنهجي هو ما أوقع اللائحة في هذا الخلط فليست جميع المدونات أو المواقع الشخصية مثلاً تعتبر إعلامية أو صحفيه فيما يختص بطبيعة ما تقدمه، فهناك كما هو معلوم أيضاً مدونات فكريه خالصة في طرحها وتعبر فقط عن آراء أصحابها وحقهم في التعبير المكفول لهم شرط أن يكون مسؤولاً وبعيداً عن أي إساءات أو تحريض عنصري أو سلوكي عنيف.
تبقى مسألة أساسيه قد تكون مناسبة لنختم بها ملاحظاتنا على هذه اللائحة وهي ملاحظة تتعلق بالموازنة بين الحقوق والواجبات التي لا يجب أن تخلو منها لائحة تنظيميه بل أنها الشريان الضامن لحياة أي لائحة تنظيميه؛ فهذه اللائحة رغم عنايتها كثيراً بمبدأ تسجيل الملكية للمواقع وردها لشخوصها الحقيقيين أو الاعتباريين والمفهوم تماماً لحماية الحقوق ولمحاسبة غير المسؤولين منهم، وما عرضته عليهم من اشتراطات فيما يتعلق باعترافها الرسمي إلا أنها أهملت مع ذلك توضيح أكبر للمزايا أو الحقوق التي من الممكن أن تقدمها لهم مقابل هذه الواجبات علماً بأن هذه ا لمزايا ضرورية للترغيب في العمل في هكذا جو تنظيمي محلي في ظل وجود فضاءات وخيارات أخرى عالميه مفتوحة دون أي اشتراطات بل إن بعضها على استعداد لتوفير الكثير من المزايا.
هذا ما خرجت به قراءتنا السريعة لهذه اللائحة ولردود أفعالها المتباينة مؤخراً وهي محاولة فقط نتمنى أن تضاف للجهود المبذولة لإعادة النظر في صياغة هذه اللائحة والتي أعلن وزير الإعلام شخصيا بكل شفافية ومن خلال ذات الافتراض الواقعي أنه ما زال يتابع أصداءها بكل اهتمام وعناية أثمرت فعلا إلى هذه اللحظة التي اكتب فيها هذا المقال عن تغيير مهم جداً لصيغة إحدى المواد التي أثارت لغطاً كبيراً وفيها يُشترط موافقة الوزير على تعيين رئيس تحرير الصحيفة الإلكترونية، ليثبت بذلك أنها ليست اشتراطات إلزامية بقدر ما هي بالفعل تنظيمات قابله للأخذ والرد وأنها مازالت بحاجة أن نجتهد في قراءة ما ظهر منها أكثر من اجتهادنا في تأويل ما لم يظهر منها بعد.
alturk.tt@gmail.com
جدة