يعاني مجتمعنا الثقافي إشكاليات عدة، في مقدمتها قضية الجوائز والترجمات التجارية السقيمة والترويج لها باعتبارها تمثل نشراً ثقافياً، بينما قطعت الطريق على الترجمات الجيدة الصادرة عن مراكز ثقافية موثوق بها.
وتمثل الجوائز الأدبية في المشهد الثقافي والأدبي في الخليج العربي ظاهرة بارزة في عالم الثقافة في الوطن العربي كله؛ فمن جوائز الدولة التقديرية إلى جوائز المسابقات الإبداعية والبحثية إلى جوائز الأفراد... إلخ، وتُكوِّن هذه الجوائز في مجموعها حصيلة ثقافية، بصرف النظر عن مردودها العلمي والثقافي؛ فمردود الجوائز على المكتبة العربية يكاد يكون في درجة الصفر إلى الآن؛ ومن هذا المنطلق تقف أمامنا مجموعة من التساؤلات المشروعة في عالم الثقافة:
- هل الجائزة تمنح للعمل أو لصاحب العمل؟؟؟
- مَنْ يقيّم العمل المقدَّم للجائزة؟؟
- هل العمل يقدَّم من قِبل صاحبه أم أن هيئة الجائزة تختار العمل للدخول في المنافسة؟؟
- هل يجوز أن يرشح شخص ما نظراً إلى مشواره الثقافي لجائزة ما؟ وهل تُسمَّى مثل هذه الحالة جائزة؟؟
- هل الجائزة مقياس لجودة العمل، أم أن هناك مقاييس أخرى؟؟؟
أما أن الجائزة تُمنح للعمل أو لصاحبه فقد وجدنا أن الجائزة (في معظم الحالات) تُمنح لصاحب العمل لقاء ما قدَّم للجهة المانحة، وهذه عادات تدخل في باب الثقافة العربية، بوصفها مكافأة لما قدم من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن العمل لا يرقى لدرجة الحصول على جائزة في مجاله، وهناك أعمال أفضل منه.
وعندما سألتُ أحد المحكمين في لجنة ما عن العمل الفلاني الذي يستحق الجائزة أفضل من العمل الحاصل عليها، قال لمن هذا العمل؟؟ وكان مندهشاً لا يعرفه، وهو أشهر من أن يعرف، وهذا دليل على أن العمل يحكَّم من لجان ليست في مجال الأعمال المقدَّمة، ولأن العمل لم يقدَّم من قِبل هيئة علمية لها رأي في الأعمال المقدمة، أضف إلى ذلك أن هذه الأعمال، كما يقول أحد أصحاب الجوائز، الذي يملك المال وليس له معرفة في الأدب؛ حيث أوكل الأمر لمن يعرف الأشخاص وليس الأعمال.. يقول: قدمنا الجائزة لجهود الشاعر فلان، ولا أعتقد أن الشاعر أو الروائي له جهود فيما قدم، وفي هذه الحالة تمنح الجائزة لاسم وليس لجودة العمل، ولم نجد في العمل الذي قُدِّم جودة تعود للمكتبة العربية بالفائدة؛ فالشعر هجين بين الشعر والنثر، والروايات المقدمة تزخر بالأخطاء الإملائية والنحوية، واللفظ نعوذ بالله منه، وكأن الألفاظ قد نضب معينها، إلا ما ترك لقذارته، وكما تقول العرب (يستقبح ذكره)؛ وبالتالي فقدت الجائزة هدفها وصارت عبئاً على الثقافة.
فمتى يكون لنا شخصية أدبية تفرز الغث من السمين، وتلزم الحياد؛ ليكون عندنا مكتبة تُعنى بالأعمال الجيدة؛ ليستفيد منها أبناؤنا قبل أن يفقدوا فينا الثقة؟؟
هذه بعض الإشكاليات التي يجب أن تُناقَش في ملتقى أدبي علمي، بحضور المثقفين والنقاد والأكاديميين، أردت أن أثيرها؛ لتكون أحد محاور المشهد الثقافي والأدبي الخليجي؛ حيث انتشرت هذه الظواهر السلبية في مجتمعنا الثقافي. والواقع أن كثيراً من هذه الطروحات التي طرحتُها كانت من مشاهدات مؤلمة، ومسمار في نعش الثقافة العربية؛ فقد وجدنا بعض الأعمال التي قُدّمت لنيل الجوائز لا تستحق أن تُقدّم، ولكن اسم صاحبها وما قام حوله من بريق إعلامي في وقت من الأوقات جعل المهتمين بالجوائز دون معرفتها يغدقون كرمهم في منحها.
ولنا حديث لم ينتهِ في الحلقة القادمة.
الرياض