يتوهم من يظن العملَ الصحفي وصلا؛ فرغم المسافات «المُجَسَرة» تبقى الفواصل حاجزةً إلا من لقاءاتٍ عابرة في مناسبات مُجدولة؛ رسمية وثقافية واجتماعية، وربما احتاج بعضُنا للتعريف باسمه ووسمه لزميله الساكنِ على بعدِ أميالٍ أو أمتار منه.
في عوالم الإعلام الأخرى وشائجُ أقوى، وربما كانت الإذاعةُ نموذجًا على مفهوم الأُسْرة الوظيفية؛ فلا تكاد تفقد مناسباتهم التي يخترعونها «أحيانًا» ليلتقوا في مخيمٍ أو استراحة مودعين ومستقبلين ومهنئين، ولا ينسون - في دعواتهم - من غادرهم بشخصه، بل إن وفاءهم امتد للراحلين عبر برنامجٍ وسهرة وحوارات، وهو لا يعفي «الرسميين» من وجود خطواتٍ مهمة أخرى للاستفادة من «المتقاعدين»؛ حيث لا يعترف الإعلام المهني في كل بلاد الدنيا بوجود سنٍ محددة للانكفاء إلى المنزل وانتظار راتب يوم الخامس عشر من كل شهر؛ ومن الظلم ألا نستفيد من «الشبيلي والأيوبي وغالب والرشيد والمنصور والردادي والخضيري «إخوان» والنجعي وداود وسمان وآخرين» في الإعداد والتقديم وقراءة النشرات وبخاصةٍ أنهم يتمتعون - بفضل الله - بكامل لياقتهم الذهنية والصوتية والشكلية.
لاننسى أن (والتر كرونكايت المذيع الأشهر لنشرة السادسة مساءً في ال»CBS»» تقاعد طوعًا ثم بدأ – وقد بلغ من الكبر عتيا – في تقديم برنامج توثيقي عن الكون «UNIVERSE»، ولم يترك «لاري كنغ: ال»CNN» «إلا برضاه بعد ربع قرن على برنامجه «الحكائي» وبعد سنوات طويلة من العمل الإذاعي في برامجه الشاملة «Cost To Cost».
لنُعدِ عن ذا؛ كي يلتفت لنفسِه فيلومها حين لم يلتقِ قبلا بأستاذٍ كبيرٍ من أساتذة الصحافة لم يدرك شأوه إلا حين مرض فكتب تلاميذه شهاداتهم المؤثرة حوله؛ فرجع لذاكرته «ربع القرنية» منذ أن التحق بالعمل الصحفي والكتابي فلم يجد سوى حرصه على قراءة زاويته بعد ثناء والده - حفظه الله - عليها وهو مدرسته الأولى في كل شؤونه ومن فتح عينيه على القراءة وهيأ له أسبابها مذ كان صبيا.
«الفلك يدور» هي المحطة الوحيدة التي قرأ فيها نبضًا وطنيًا هادئًا متوازنًا؛ فلم يتجاوزها لما وراءها؛ حتى قرأ سيرته؛ فإذا به المؤسس ورفيق المؤسسين، وإذا هو الناشر ومسؤول التحرير والمعني بشؤون الكتاب، وإذا هو معلم أجيال في طليعتهم رؤساءُ تحريرٍ متقاعدون.
سيكرمه معرض الرياض الدولي للكتاب بوصفه رقمًا مهمًا في رواد الناشرين عبر «داره السعودية»، غير أن عطاءه الصحفي الممتد من جريدة الندوة حتى «المدينة» غير معروف لمن اكتهل في بلاطها فكيف بمن لا يزالون في مراحل البدايات.
يُجمع المتحدثون عنه على رقي تعامله وجمال خُلقه وتبني الواعدين ورئيس رؤساء التحرير، ويكفي أن في تلاميذه « هاشم عبده هاشم وأحمد محمود وعاصم حمدان وسباعي عثمان وجمال خاشقجي وعلي القرعاوي وعبد الله القنيعير وعلي حسون وآخرين، عدا تبنيه النشر للمواهب الشابة الخلاقة؛ فصار مدرسةً في ذاته وصفاته، ولن نستعيد المبدأ الإداري الأهم في وظيفة المسؤول عن تكوين قاعدةٍ إنتاجية من القوى البشرية التي لا يحدث فراغٌ بوجودها ولو غاب قائدها، وفي الدفع بالمميزين ليعتلوا أهرام العمل المهني، وسنبقى نذكر - مع صاحبنا الممضى عنه - آخَرَيْن لهما مآثرهما في تخريج الكفاءات والدفع بها نحو الأعلى؛ هما الأستاذان فهد الدغيثر وخالد المالك في قطاعي الإدارة والصحافة.
الأستاذ محمد صلاح الدين الدندراوي (1934 م- مصر) المتخصص في العلوم السياسية من الولايات المتحدة ذو ريادات متعددة في الصحافة والنشر العام والنشر المتخصص والدعاية والإعلان وذو السيرة العطرة كما يرويها أصدقاؤه وتلاميذه، وتاريخه الممتد يبهر من يقرؤه أو يقرأُ عنه، وهو - اليوم - بحاجة لدعائكم؛ فيارب الناس مذهب البأس اشف أبا عمرو واجعل ما أصابه طهورًا ونورا.
الحق لا يخفى
Ibrturkia@gmail.com