الرباط - منتصر حمادة
يمكن اعتبار العدد الخاص الأخير الذي أصدرته مؤسسة «البريد الدولي» (الأسبوعية الفرنسية الشهيرة)، بمثابة وثيقة علمية وإعلامية تهم العديد من المتتبعين لأعمال المؤرخ البريطاني أرلوند توينبي (صاحب موسوعة «الموجز عن الحضارات»)، المفكر الجزائري مالك بن نبي (مؤلف سلسلة «مشكلات الحضارة»)، المفكر الأمريكي صامويل هنتنغنتون (مُسطر أطروحة «صدام الحضارات»)، المفكر المغربي المهدي المنجرة (مؤلف «الحرب الحضارية الأولى»)، والباحث الفرنسي إيمانويل طود (مؤلف كتاب «ما بعد الإمبراطورية») وغيرهم كثير بالطبع، ونتحدث عن أسماء علمية رسخت نفسها، بشكل أو بآخر، في الدراسات المخصصة لموضوع الحضارات.
«هل انتهى الغرب»، أو «هل يتجه الغرب نحو الأفول»، أو ما شاء المتلقي العربي من الترجمات، هو عنوان هذا العدد الخاص الموزع على 100 صفحة (عدد شباط - نيسان 2011)، والذي افتتح لكلمة مقتضبة حررتها كاترين أندريه (منسقة التحرير) وفيليب ثورو دانجين (مدير النشر ومدير التحرير)، أشارت إلى الخيار الرصين الذي تبنته المجلة، عبر نشر دراسات ومقالات لأسماء ثقافية لا تنتمي إلى الثقافة الغربية (الأمريكية والأوروبية)، ويجمع بين مجمل هذه الدراسات، التأكيد على أن الغرب لم يعد مركز العالم اليوم.
وحدها عناوين الملفات الواردة العدد الخاص، تغري بالقراءة والتقييم والتأمل: «حقبة جديدة»؛ «أفول إمبراطورية»؛ «قارة عتيقة جدا»؛ «الأم الصاعدة؛ (الصين والهند على الخصوص).
أما عناوين مقالات العدد، فلا تخرج عن الإثارة والنوعية في آن، ونذكر بعضا منها: «من قتل الحلم الأمريكي»؛ «الجغرافيا الجديدة للعالم»؛ «الانهيار الحتمي للنموذج الاشتراكي - الديمقراطي»، (محرر هذه الدراسة، هو الباحث الروسي بوريس كاجارليتسكي، وهو مدير «معهد العولمة والحركات الاجتماعية»)، «العودة إلى موقعنا الحقيقي» (محرر هذه الدراسة هو المفكر الأمريكي بول كيندي، وهو مؤلف الكتاب القيم للغاية «صعود وسقوط القوى العظمى» والصادر في أواخر عام 1988 وكتابه الآخر الاستعداد للقرن الحادي والعشرين» 1993)؛ «لماذا لا نكترث بتحديات القرن الواحد والعشرين؟»؛ «لم يعد لواشنطن ما تعطيه لبكين» (بقلم فرانسيس فوكوياما)؛ «نحن، من كنا نحلم بالرأسمالية»؛ «عالم مفصل من جديد على يد بكين»؛ «الحرب ضد العلمانية»، (بقلم الباحث الفلسطيني خالد الحروب، وجاء المقال مرفقا برسم كاريكاتوري مسيء للثقافة الإسلامية، نقلا عن منبر إعلامي كندي، يظهر فيه مسلم ملتح رفقة أربع نساء منقبات، مصرحا: «ماذا هناك؟ أربع نساء؟ وبعد، أحب التعددية»)؛ «(الصين)، قوة علمية حقيقية»؛ «الغربيون لم يفقهوا شيئا»؛ «إنهم لا يريدون الحديث معنا»، «غطرسة إيديولوجية غربية»، (نقلا عن يومية هويانكيو شيباو الصينية، وفحوى المقال أن منح جائزة نوبل للسلام في نسخته الأخيرة للناشط الصيني لليو كزياوبو، يترجم رغبة غربية في زعزعة النظام في بكين)؛ «لتحيى التنمية الهادئة»؛ «التخلي عن البضائع الصينية أمر متعب ومستحيل في الواقع»، والمادة عبارة عن حوار مع الصحافية الأمريكية سارة بونجيورني، تستعرض من خلاله خلاصة تجربة ذاتية قامت بها رفقة حركها وأبناءها، وتقوم على مقاطعة شراء البضائع والمنتوجات الصينية لمدة سنة بالتمام والكمال، وكانت نتيجة التجربة، تأليف كتاب يحمل عنوان: «عام دون «صنع في الصين».
باراغ خانا، من اكتشافات العدد، ونشرت له المجلة دراستان: الجغرافيا الجديدة للعالم (ص 13) و»ماذا لو أصبح الاتحاد الأوروبي نموذج المستقبل؟ (ص 62)، وهو محلل إستراتيجي أمريكي من أصل هندي، من مواليد 1977، وأحد الذين روجوا لأفول الهيمنة الأمريكية ابتداء من عام 2008، من خلال كتابه الذي يحمل عنوان: «العالم الثاني: الإمبراطوريات والتأثير في النظام العالمي الجديد»، معتبرا أننا نتجه إلى عالم ثلاثي القطبية، على غرار ما حفلت به الرواية الشهيرة لجورج أورويل والتي تحمل عنوان: «1984».
كما تضمن العدد الخاص لائحة من البورتريهات عن أسماء فكرية وروائية وسياسية، تنتمي إلى الضفة الحضارية الأخرى (أي الضفة المقابلة للضفة الغربية)، ويجمع بينها على الخصوص، أن أصحابها، تنبأوا بأفول المركزية الغربية، أو رَوّجوا لقيم كونية مغايرة للقيم الغربية.
ونجد في خانة هذه البورتريهات كلا من الراحل ألكسندر سلوجستين (روائي روسي شهير، ومؤلف تحفة «أرخبيل الغولاغ»، وحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1970)، أشيل مامبي (روائي من الكاميرون)، شويشي كاطو (مؤرخ أفكار من اليابان، ويرى أن حل إشكالية الصراع بين الثقافة اليابانية والثقافية الغربية، ذلك السائد في اليابان، يتطلب رؤية فوقية شاملة، تستحضر مقومات كل ثقافة على حده في تفاعلها مع الثقافة الأخرى أو «الثقافة المضادة»)، ساتيش كومار (حكيم من الهند، وأحد نقاد النزعة الديكارتية المركزية، حتى أنه يعتبر عبارة «أنا أفكر إذا أنا موجود»، والتي تتضمن ضمر المتكلم (أنا) مكررا، تترجم هذه النزعة الغربية المركزية، والمؤسسة لنزعة الهيمنة الاقتصادية السائدة اليوم، ويذهب إلى أن هذه «العقلانية الخطيرة فصلت الإنسان عن أشباهه»، وغني عن التذكير، أننا عدة ترجمات للكوجيتو الديكارتي للعربية، منها ترجمة شهيرة للفيلسوف المجدد طه عبد الرحمن، جاءت في صيغة «انظر تجد»، وتطلبت التدقيق في ثنايا الترجمة، ترحال رصينا في حوالي 100 صفحة من كتابه «فقه الفلسفة: الفلسفة الترجمة، الصادر عن المركز الثقافي العربي)، لي كوان يهو (رئيس وزراء سابق في سنغافورة - من سنة 1959 حتى سنة 1990 - واعتبرت المجلة أن اسمه أصبح لصيقا باقتصادات «المعجزة الآسيوية»)، محمد مرزوقي (ناشط جمعوي من إندونيسيا)، كين هوي (مؤرخ من الصين)، وعبد الكريم سوروس (مفكر إيراني)، إدواردو غاليانو (روائي من الأوروغواي، غني عن التعريف طبعا، وصاحب رائعة «الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية» (صدرت عام 1971)، وأحد المدافعين عن «حقوق الطبيعة»)، كانديدو كينديس (فيلسوف من البرازيل)، سانجيز أكثار (روائي وصحافي من تركيا).